اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


كنا ولا نزال نسمع بالمهجرين الفلسطينيين ومشكلة عودتهم وإعادة توطينهم بعد الاتفاق مع الحكومة الاسرائيلية، لا بل أصبحت من اعقد المشاكل التي تواجه الحكومات العربية والفلسطينيين واليهود بعد هذا الزمن من التهجير القسري من ديارهم وانتشارهم في أرجاء الكون تحت وضع غير انساني ومهين في بعضه. حصل هذا الامر من قبل قوة محتلة لارض ووطن سواء تم استغلال البسطاء تحت مغريات المادة أو بفعل الترهيب والسياسة الاستيطانية من قبل الحكومة الاسرائيلية. ومنذ ذلك الوقت ولحد هذا اليوم أصبح الشغل الشاغل لمنظمات حقوق الانسان ووكالات غوث اللاجئين محاولة ترتيب اوضاعهم بما يحقق لهم الامان ويحفظ كرامتهم من المهانة والذل.
فالذي ذكرّني بهذا الموضوع هو تعليق الاستاذ كامل زورايا على رسالة الحكومة الالمانية التي بعثت بها إلى رئاسة الاتحاد الاوربي بتاريخ 6/6/2008 بخصوص معالجة وضع النازحين العراقيين في كل من سوريا والاردن ولبنان وغيرها من البلدان المجاورة وامكانية إيجاد حل يجمعهم مع عوائلهم. ويبدو من قراءة لفحوى هذه الرسالة،على الرغم من عدم إطلاعي عليها، بأن وضع هؤلاء النازحين أصبح قاب قوسين وادنى من وضع اللاجئين الفلسطينيين، خاصة إذا ما عرفنا بأن الحكومة العراقية وكأن هذا الامر لا يعنيها بشيء وأن هؤلاء الناس هم في الحقيقة مهجرين وليسوا نازحين لأنهم تركوا بيوتهم تحت الضغط والارهاب والتشريد القسري إلى خارج الوطن، حيث المقصود بالنزوح هو ما يحصل لترك محل الإقامه داخل البلد تحت التهديد، كما حصل في سنجار لاهالي قرية الدنادية من الإيزيدية وغيرهم داخل العراق كما في ناحية السلمان او بغداد. فيا ترى ماذا ستقول حكومتنا الرشيدة والديمقراطية حد العظم عندما تتلقى رسالة من دولة أجنبية تحثها على رعاية أبنائها من المهجرين؟ وبالتأكيد السيد عمار الحكيم سيقول بأن في عهد صدام حسين كنتم أكثر من هذا العدد ولم تستطيعوا القول بأننا في وضع مأساوي؟ ولكن السؤال هنا، بماذا تختلف هذه الحكومة (الرشيدة) عن تلك الحكومة (الفاسدة) إذا استمر الوضع الانساني بهذا القدر المتدني والهجرة والتهجير مستمرين وفي زيادة يوماً بعد آخر بعد خمس سنوات من الاحتلال والحكم الديمقراطي؟
فعندما كنت في سوريا في العام الماضي وكنت على اتصال ببعض العوائل العراقية من المهجرين وايضا مع بعض المنظمات الانسانية التي لها شأن في هذا الوضع، كنت استمع إلى معاناتهم، وانا واحد منهم، وعن مستوى المهانة التي يشعرون بها بعدما انهوا مخزوناتهم من النقود والمؤنة التي اعتادوا عليها في عراق الخير والنعيم. وعندما سافرت إلى مصر، التقيت بعدد لا بأس به منهم ولكن هنا كانت المعاناة أكبر أولا لبعد البلد عن العراق وعدم امكانية التواصل اليومي بينهم وبين أهاليهم وامكانية الاتصال الشخصي بين يوم وآخر كما كان في سوريا والاردن على سبيل المثال.
والغريب في الامر وكما قال السيد زورايا فإن الحكومة العراقية لم يكن لديها لحد الآن برنامج واضح لكي تعيد هؤلاء الناس إلى كرامتهم وإدخالهم ضمن القوى العاملة في البلد الام. كما ويبدو لي بأن غالبيتهم من الاقليات الدينية والعرقية ولهذا ليس مهما سواء رجعوا ام بقوا في المهجر لانهم في الاساس سيتركون البلد عاجلا أم آجلا تحت هذا الارهاب الذي تمارسه الكل ضد وجودهم، وأن الحاجة انتفت إليهم بعدما كانوا مادة أساسية ودسمة ليقولوا بأن حقوق الاقليات هو المعيار الاساسي لكل عملية ديمقراطية. فبعدما عززوا بعض اركان (سياساتهم)، لم يعودوا بحاجة إلى هذا الكلام وتمريرة على الناس لان الكل تعّرت امام الشمس ولم يعد باستطاعتهم تغطية عوراتهم امام الرأي العام، واصبح المواطن العراقي الذي في الداخل هو الاخر يفكر في الهروب من بلد لم تعد القياسات الوطنية هي المعيار. بل الولاء السياسي والديني هو القاعدة التي بنيت عليها الامور في الوقت الحالي، فاصبح الجسم في وطن والروح في وطن آخر. والانكى من كل ذلك فان التوظيف السياسي للدين خدمة للمصالح الفئوية والقرارات الخاطئة واستغلال الفقراء هما الان من المعايير التي تبنى عليها مستوى قياسات الوطنية.
لقد اتصل بي قبل اسبوع باحث من منظمة العفو الدولية- مجموعة حقوق الاقليات- Minority's Rights Group بهدف إجراء بحث ميداني حول واقع ومعيشة افراد الأقلية الدينية الإيزيدية المهجرة في الاردن ضمن بقية المهجرين وكيف يمكن الخروج بوضع آلية عمل تسهل عليهم مساعدة هذه المجموعات في ظل الوضع الانساني المتردي. صحيح هذا هو من صلب اختصاص تلك المنظمات، ولكن أليس حرياً بالبلد المعني بأن يحافظ على كرامة مواطنية قبل غيرهم؟ هل نسينا الوعود التي جاءوا بها قبل الاحتلال؟ ألم يكن باستطاعة امريكا التخلص من صدام حسين كما حصل لكرباتشيف رئيس ثاني اكبر دولة في الكون؟
أما كيف يجب ان يكون عليه وضع هؤلاء المهجرين في المستقبل، فهذا هو السؤال الذي يجب على الحكومة العراقية الاجابة عليه الان. في الوقت الذي لا تابه الحكومة الامريكية، رأس المشكلة الاساسية، بوضعهم هي الاخرى وكأنها لم تكن المسئولة عن كل ما جرى.
لو فرضنا بأن حكومات الاتحاد الاوربي اخذت على عاتقها تنظيم لجوء جماعي لهم واسكنتهم في اوربا. اليس معنى ذلك بأن جميع هؤلاء المواطنين سيرفضون في يوم ما العودة إلى البلد الذي لفظهم بعد ان عانوا الامرين في ظل حصار قاتل وحروب ليس لها نهاية وماساة انسانية لا تكاد تنفك من واحدة لتدخل في الاخرى ليصبح في الاخير بعد طول انتظار على الأبواب ليستجدي ويستعطف الاجنبي؟ أليسوا هم الغالبية من حملة الشهادات والكفاءات التي يجب عليهم تنمية بلدهم قبل غيرهم وبدلا من ان يقيموا في بلدان الغربة وتموت امكانياتهم وكفاءاتهم؟ أليس حريا بحكومتهم الحفاظ على تلك الكفاءات من الضياع والموت على ابواب الحاجة والفاقة؟
ولو فرضنا كذلك أعادت الحكومة العراقية الآن هذه المجموعات إلى البلد الام، هل هناك ما يقيهم من خطر الارهاب ثانية؟ وهل سيكون بامكانهم العيش بكرامتهم في بلدهم الام؟ والجواب هو وبكل بساطة مع الاسف، كلا.
ثم هل تعرفون مدى الانحطاط الخلقي الذي تعرضت لها عوائل بالكامل والعيش تحت أجواء الرذيلة والعمل في سوق الدعارة والفنادق والبيوت تحت ضغط الحاجة والفاقة ومئات الملايين تنهب وتصرف على المؤتمرات والفساد المالي بلغ ارقاما فلكية؟ هل بعد كل هذا نقول بأن العراقيين اصبحوا في أمان في ظل الحكم الديمقراطي الرشيد وانتهاء الحكم الدكتاتوري المقيت؟ ولو اجريتم احصائية بين الشعب العراقي الان بعد خمس سنوات ستجدون 90% منهم من يصوت ب (لا) ضد سياساتكم في السلطة وهذا الخراب الذي جلبتموه والذي ينهش في جسم المواطن ليل نهار.
لذلك، وعلى ضوء ما جاء بتلك الرسالة وخطورة وضع حقوق الانسان في العراق وما يتعلق منه بوضع هؤلاء المهجرين وخاصة ما يتعلق منه بالاقليات الدينية والعرقية وهم السكان الاصليون في العراق. وبعدما اصبح فيه ثلاث وزارات لحقوق الانسان مع الاسف في بغداد واربيل والسليمانية مقارنة بعهد صدام الذي لم يكن حتى في فكره وزارة من هذا القبيل، فإن مقارنة بسيطة بين عهدين عايشناهما بمرارتهما تفضل الاول على الثاني بكل ماساته وتداعياته وخلفياته وأن وضع حقوق الانسان في ادنى مستوياته على الرغم من وجود ثلاث وزارات لحقوق الانسان. وعلى العراق السلام.

علي سيدو رشو/عضو منظمة العفو الدولية
ناشط في مجال حقوق الانسان
القاهرة في 22/6/2008

0 التعليقات: