اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


هيروشيما، هذه البلدة اليابانية التي دخلت التاريخ من اوسع ابوابه بفعل الضربة النووية الامريكية في السادس من آب عام 1945، لتنهي بها الحرب العالمية الثانية واعلان انتصار الحلفاء في تلك الحرب المدمرة التي طحنت وحرقت على مدى ست سنوات الأخضر واليابس، وحصدت الملايين من الارواح البريئة بين قتيل وجريح وشردت الملايين ويتمت ورمّلت الملايين ايضا. وعلى حد زعم الولايات المتحدة فإنها لجأت إلى ذلك الخيار لتنهي تلك الحرب وتنهي معها معاناة البشرية لتبدأ مرحلة جديدة في الحياة وتجلس تلك الدول المتحاربة لتتقاسم الغنائم وتجتر الاخرى مرارة الهزيمة. ولكن وقودها منذ الوهلة الاولى وحتى اللحظة الاخيرة، كانوا من الابرياء الذين سيقوا إلى تلك الحرب، ومثلها في الحرب الكونية الاولى، رغما عنهم. فتلك الدول كانت في حرب واشتباك في خنادق الميدان والسياسة والاقتصاد والمصالح، وللحرب كما هو معروف، قوانين أستثنائية خاصة بها، وهي إعلان حالة الطواريء كما يعلمها الجميع. وأن حالات الاشتباك تبرر الكثير من الاخطاء سواء أكان جراء القصف الجوي او اطلاق صواريخ بعيدة المدى او حتى تصرف بعض الاشخاص كما حصل في العراق نتيجة تهّور بعض الجنود من القوات المحتلة على خلفية مقتل اصدقاء او مقربين لهم فأقدموا على الثأر والانتقام وانتهت القضايا بحجة انها حالات غير مقصودة او حصلت عن طريق الخطأ. فلنقف إجلالاً لتلك الارواح البريئة التي راحت بجريرة اخطاء غيرها ونطلب لهم الرحمة وجنات النعيم.
وبتاريخ ليس ببعيد عن ذلك اليوم المشئوم من أيام آب الحارة التي قصفت فيها هيروشيما وناغازاكي وبالتحديد في 14/آب/2007، ولكن في مكان آخر وعلى فئة محددة بذاتها وبعد ثلاثة وستين عاماً. أقدمت مجموعات من أشباه البشر وبتخطيط مسبق في دهاليز الفكر الظلامي الذي لا يقبل أن يرى النور إلا من خلال القتل والتدمير وتكفير البشر الذي كرّمه الله، مع سبق الاصرار والترصد واختيار المكان والزمان بحيث تكون مساحة التدمير اوسع ما يمكن من حيث عدد البشر وتخريب الممتلكات والبنية التحتية، بتهيئة اربعة شاحنات وتحميلها بكل وسائل التدمير من متفجرات وصواريخ وقطع الحديد ومواد لها القابلية العالية على التشظي لتقتل اكبر عدد ممكن الابرياء في كل من مركز ناحية القحطانية ومجمع الجزيرة. وهنا ليس بهدف إنهاء حالة حرب أو معاناة الانسانية كما أدعت امريكا في ذلك الوقت، وأن الوضع في المنطقة ليس كما هو في حالة حرب مشتبكة مع ذلك العدو الغدّار، وإنما ليصبوا الزيت على النار ويشعلوا نار الفتنة لمزيد من المعاناة وقتل الابرياء وليس لانهاء معاناة العراقيين. وبالفعل نفذوا جريمتهم النكراء في عصر يوم الثلاثاء الموافق 14/8/2007 في تلكم القريتين المبنيتين من الطين ويسكنها الايزيديين بالكامل، فقتلوا مئات الاطفال والنساء والشيوخ والابرياء من أناس ليس لهم سوى تحمّل ويلات الحروب والحصارات وكبت الحريات والتحقير من الانسان المحيط. ولكننا نعلن ونقول بأنه ليس بإمكان القهر والاضطهاد أن يقضيا علينا، وسيبقى بيننا من يحمل لواء التحدي لما نتعرض له من ظلم وقهر وتكفير والزمن كفيل بكشف الحقائق. قد تذبل وتسقط أغصان كاملة من شجرة هذه الملة، أما جذرها وجذعها فباقيان.
كل هذا حصل بسبب أن سكان القريتين يدينون بالايزيدية كديانة متناسين عراقيتهم واصالتهم وانسانيتهم وطيبة قلوبهم وأدائهم لواجباتهم الوطنية على أكمل وجه، فارضين انفسهم كبدائل للخالق في تكفير وتحريم الناس لمجرد الاختلاف العقائدي. فأي دين يقبل بتكفير المقابل الذي خلقه الله على أفضل صورة؟ وأي دين يقبل بقتل الابرياء من العّزل والنساء والاطفال الآمنين؟ وبأي دين يتدين هؤلاء النفر الضّال؟ وأي دين أكثر إنسانية من الدين الإيزيدي الذي يدعو إلى التسامح ونشر الخير والصلاح بين البشر؟ وبماذا يتميز هذا النفر الارعن عن الاخرين سوى بالقتل والتدمير وخدمة الاجنبي على حساب بني وطنه وشريكه في الارض والمياه والحضارة؟
لقد راح ضحية هذا العدوان الاهوج والبربري الذي انسلخ القائمين عليه من كل قيم الله والشعور الانساني وقد صمّت آذانهم وأغمضت أعينهم العمياء، المئات من الابرياء بعدما صبوا نار حقدهم على العزل الامنين الراضين باقل متطلبات الحياة. بينما المحتل يصول ويجول ويقتل ويسبي وينتهك أعراضهم ويسرق امام أعينهم العمياء التي لا ترَ إلا في الظلام ولا تطعن إلاّ في الوطني ولا تقتل إلاّ البريء. فأي نوع من البشر هذا؟ وأي حاقد على الحياة هؤلاء؟ وبأي مقياس ينظرون للوطن والوطنية؟ وأي حصادٍ حصدوه غير لعنة الله وشكوى تلك الارواح البريئة للخالق للأخذ بثارهم يوم يقف الانسان امام الحق ويتحاسب على أفعاله وجرائمه؟ فلكم أيها الشهداء الابرار من عصافير جنات الخلد، وأحباب الله من البنات البكر، والنساء، ومن دخل القفص الذهبي حديثاً، والشيوخ والعزّل الابرياء، لهم جميعاً الرحمة والغفران. وعزاؤنا فيكم ايها الشهداء أن يرحمكم الله ويخزي من كان السبب أو تسبب أو ساهم في إزهاق ارواحكم البريئة، ولكن بماذا نعزي مَن لم يبق مِن عائلته ليستقبل المعزين؟ وماذا يقول لله من كان السبب في إبادة عوائل بالكامل بحيث لم يبق لهم من يشكي حالتهم، وإنما نقول بأن لهم رب رحيم سيرعاهم ويأخذ بحقهم، إنه نِعم المولى ونعم النصير.
وحسب احصائية قامت بها رابطة المثقفين الإيزيديين التي خيّمت موقعيا، رغم المعاناة، ولمدة اسبوعين في مركز ناحية القحطانية بلغ عدد الشهداء 336 شهيدا، منهم 120 من الاناث، عدا المفقودين الذين لم يتم تسجيلهم آنذاك لعدم معرفتنا بمصيرهم. وفاق عدد الجرحى 600 شخص بين طفل وشيخ وإمرأة، وتدمير أكثر من 100 آلية زراعية وسيارة شخصية، وهدم أكثر من 500 مسكن على رؤوس أصحابها، وتدمير 147 محلا تجاريا وهو كل ما كان يملكه أهل القريتين بما يعادل 9 مليار دينار عراقي على اقل تخمين، وتم إحصاء 170 يتيماً، منهم 94 إناث و 76 ذكور. والذين تيتموا من الوالد فقط 95، ومن الوالدة 30 ومن الوالدين 45. علماً بأن عدد الايتام قد فاق ال 300 ولكن لم نستطع إحصاء عدد اكبر من الذي أحصيناهم لظروف خارجة عن إمكانياتنا الذاتية. وبدورنا، تم إرسال جميع هذه البيانات إلى عدد كبير من الجهات الدولية ذات الشأن بخصوص الاقليات الدينية والعرقية مثل منظمة العفو الدولية ومركز البحث والتوثيق في الاتحاد الاوربي والشبكة الدولية لحقوق الانسان والمعهد الامريكي للسلام وغيرهم. ونستطيع نشر الاسماء كاملة وسيكون بامكان من لديه اضافة الاسماء البقية التي لم يتم إحصاءها من قبلنا الاتصال بنا أو ارساله إلينا لكي نوثقه في سجلات المنظمات الدولية ذات الشأن الانساني لتثبيت حقوقهم مستقبلا.
إننا نعلم بأن إراقة اية قطرة دم من اي مواطن عراقي بريء هي بحد ذاتها تعد جريمة مهما كانت، ولا فرق في هذا بين اي مكون من شرائح المجتمع البريء ليصبح ضحية هذا الخراب والدمار كله سواء في مواكب العزاء أو زيارة الأئمة أو مواكب الفرح أو ساحات العمال أوتفجير الاماكن المقدسة أو مراكز تجمع الشباب أو أثناء أداء الواجب الوطني. وعندما نبين هذا الامر ليس لاننا بافضل من غيرنا من الذين راحوا بسبب هذا العدوان الاهوج والبربري على الشعب العراقي. ولكن لكي نبين الغدر الذي كان يكنه هذا النفر الضّال ضد جهة معينة بذاتها وتريد متعمدا قلعها من الجذور وطردها من الأرض والوطن، وهي تفتخر بأنها قتلت ما استطاعت من ارواح بشر كونهم (كفرة ملحدين). اللهم لطفك في ما يحصل وان تهدي هؤلاء الناس الضّالين إلى الطريق الصحيح لينظروا للحياة بغير هذا العين الاعور. وحسب تقديراتنا، فإن عدد ضحايا الايزيدية من الشهداء والبالغ 571 شهيدا، حسب إحصائيتنا، جراء هذا العدوان على العراق منذ نيسان 2003، قد فاق جميع مكونات الشعب العراقي بكل فئاته إذا ما قورنت أعداد الضحايا بأعداد نفوسهم. ولسنا هنا في سباق مع ذكر ضحايانا قياسا بالاخرين، ولكن على القيادات السياسية أن تعي بان حماية الانسان والحفاظ على حقوقه الدستورية في اي بلد في العالم هي من مسئولية الدولة والنظام السياسي الحاكم، وخاصة الفئات المهمشة والاقليات الدينية والعرقية.
فبشهادة العديد من الجهات الرسمية العراقية والدولية بما فيها الامم المتحدة، لم يبلغ مستوى الخراب في اية عملية تفجير بهذا المستوى من التخريب والتدمير والتخطيط منذ دخول القوات الاجنبية إلى العراق وكان حسب المخطط المرسوم له، هو القضاء على اكثر من 30 ألف انسان وبكامل ممتلكاتهم المادية والمعنوية. وهذا العمل يعد من أكبر الجرائم التي حصلت في العراق وهو اكبر تهديد لفئة معينة حتى قياسا بحلبجة والانفال التي لم تصل في مستوى تدميرها إلى هذا الحد قياسا بعدد النفوس لكل من الشريحتن، ولذلك أطلق عليها بالضربة النووية.
وهذا يعد في عرف القانون الدولي من عمليات الابادة الجماعية لانها استهدفت فئة بذاتها والتي يجب ان يحصل فيها تحقيق دولي على مستوى المحكمة الجنائية الدولية وسنسعى جاهدين لتحقيق ذلك بإذن الله، خاصة إذا ما عرفنا بأن هنالك جهات في السلطة الحالية كان لها العلم المسبق بما يمكن ان يحصل وما جرى بحق هذه الاقلية الدينية التي تعيش بسلام ولا تريد سوى السلام ولم تقم بواجبها كما يجب القيام به، أو اخذ الحيطة المطلوبة لتلافي وقوع الكارثة التي وصفت بالنووية.
فياليتني كنت أديباً لأعبر عن ألمي وشعوري بقصيدة تصف تلك الجريمة النكراء والتي أذهلتني بما شاهدته من خراب ودمار وقتل وتشريد وأشلاء أطفال وإبادة جماعية. أو كنت فناناً لرسم لوحة تعبر عن تفاصيل ما جرى واحملها على كتفي وأتجول بها مشياً على الاقدام وأطوف بها الكرة الارضية لحشد حملة عالمية لحماية هذه المجموعة البشرية التي تحمل عبق الماضي السحيق بين ثناياها من الاندثار. أو تكنولوجيا لتنظيم فيلم وثائقي وأعرضه في الساحات والطرقات العامة وأمام البرلمانات العالمية ليروا ما يجري في هذه الارض من تعدي في وضح النهار بحق الابرياء وكأن شيئاً لم يكن. ولكني عملت ما في وسعي بايصال ما يمكن ايصاله من أصوات تلك المعاناة وصور الضحايا والخراب إلى الجهات الدولية. اللهم منك اللطف، ومنك العون، ومنك الصبر والسلوان.
وفي ختام كلامي أدعوا المجلس الروحاني بتسمية هذا اليوم، يوم حداد في جميع المناطق التي يسكنها الإيزيدية في العالم. كما أدعو إخوتي في المهجر بتنظيم معرض للصور واللوحات التي رسمها فنانونا الكرام والقصائد الشعرية التي نظمها الشعراء الافاضل وما سجله المناضلين من أفلام وما كتبته أقلام الاصدقاء الخيرين من غير الايزيديين بدءً بكارثة الشيخان، مروراً بجريمة قتل عمال بعشيقة وبحزاني وانتهاءً بهيروشيما سنجار. ودعوة المنظمات الدولية والاتحادات والبرلمانات العالمية إليها والمطالبة الدولية باجراء تحقيق بما جرى ويجري، ليكف هؤلاء العابثين الفارضين أنفسهم وكلاء الله على الارض وأوصياء على الشعوب والاديان والمعتقدات بغير وجه حق. أكرر دعوتي مرة ثانية لهذا الاجراء الفعّال الذي سيعّرف العالم بنا أكثر وسيعيد الأمر إلى الاذهان من جديد. ومن الله التوفيق والعون.


علي سيدو رشو/ رئيس رابطة المثقفين الإيزيديين
ناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني
القاهرة في 8/8/2008

0 التعليقات: