اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


م/ وضع الأقليات الدينية والعرقية في العراق
تحية واحترام
بدايةً نقدم لأهلنا في غزة كل التحية والتضامن والرحمة للشهداء من لدن الله العزيز وللجرحى الشفاء العاجل. ومع تقديرنا للظرف الصعب وكثرة مشاغل معاليكم، إلا أنه نشعر بأنه لنا أيضاً الحق في تعاونكم.
إني المواطن العراقي علي سيدو رشو، من الاقلية الدينية الايزيدية ورئيس رابطة المثقفين الايزيديين منذ حزيران 2003 ولحد الان، وليَ الشرف الكبير في أن أكون بين أحضان بني بلدي الثاني مصر الكنانة للسنة الثانية.
لابد بحكم موقع سعادتكم الحيوي في قلب الاحداث في العالم العربي والعالم، قد أطلعتم معاليكم على واقع العيش والظروف والملابسات التي تجري بحق العراقيين عامةً، والاقليات العرقية والدينية والاثنية على وجه الخصوص، والتي برزت إلى الوجود بعد الاحتلال الامريكي في 9/4/2003، وسيطرة الاحزاب الدينية والقومية على الواقع السياسي وساد معها التطرف الديني والقومي وتكفير الآخر.
وقد لا أكون مخطئاً إذا قلت بأن سيادتكم قد أطلعتم على التقرير الدولي الذي أشرف على إعداده ميدانيا سفير الجامعة العربية السابق، والموفد إلى العراق من قبل مركز الحكم الدولي والابتكار CIGI السيد مختار لماني. ومدى الجدية البارزة في تخوفه من أن تنقرض هذه الاقليات التي تمثل أرثاً تاريخياً كما هي آثار معبد الكرنك وتل العمارنة والاهرامات في جمهورية مصر العربية، فيما إذا استمرت الظروف الحالية بحقهم. وهنا بعض مما جاء في تقرير السيد السفير في دراسته الميدانية " "معاناة الشعب العراقي واحدة، لكن هناك خصوصية لبعض الاقليات البالغة نحو 14 اقلية اثنية وقومية ودينية لعبت دورا تاريخيا في حضارة العراق لكن طالها التهجير القسري"، مشيرا الى ان "ما بين 25 - 30% من مجموع الاقليات اجبروا على ترك مساكنهم وهذه النسب في بعض الاقليات اكثر من غيرها فالصابئة المندائين هجر منهم نحو 90 % والمسيحيون مابين 50- 60% والخوف من ان تدمر هذه الفسيفساء التي وجدت منذ وجود الحضارة في العراق".
ويقدم التقرير الدولي شرحا وافيا عن اوضاع الايزيديين في العراق، اذ يبين انهم على الرغم من كونهم "اقلية على الصعيد الإقليمي أو على المستوى الوطني، لكنهم اغلبية داخل قراهم في شمال العراق والمناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية في بغداد واقليم كردستان.
والازيديون لا يمكن إلا أن يختاروا بين التحول الى الاسلام اوالطرد أوالإعدام وهو ما ارغمهم على الفرار من الموصل في 2007، وهم معرضون للانقراض خصوصا مع حساسية التوازن الديموغرافي، فدينهم لا يسمح التزاوج مع غير الازيديين.
وبالاضافة الى قلة عدد السكان والتشريد القسري، هناك معاناة اخرى على صعيد ادائهم لطقوسهم، والحل الأفضل في نظرهم هو تشكيل حكومة علمانية من شأنها حماية حقوقهم على قدم المساواة مع حقوق المجموعات الاخرى.
لقد كانت لحكومة ونظام صدام حسين الاخطاء الكبيرة التي لا تغتفر، ولكنها كانت حكومة علمانية. وعلى الرغم مما أصابنا من التغيير الديموغرافي والتهميش السياسي آنذاك، إلا أننا لم نكن نشعر بالعدوان المباشر والتطهير العرقي والتصفية الجسدية والتطرف الديني كما يحصل اليوم. فكانت فرص الحياة أمامنا مفتوحة، وطلابنا يدرسون بدون خوف وتمييز في الجامعات، وكأساتذة جامعات ومعنا الكثيرين، وكذلك ممن كانوا في الجيش وبقية الوظائف، لم نشعر بالتهديد والاهانة والتحقير والتهجير وسلب الحقوق في الشارع العراقي، أو من على المنابر الحكومية الرسمية والشرعية، مثلما يجري اليوم. وخاصة كما حصل بإلغاء المادة 50 من قانون انتخابات مجالس المحافظات، والقتل الجماعي بشكل يومي تحت رحمة حكومة تدعي الديمقراطية ولا تستطيع حمايتنا بوجود ثلاث وزارات لحقوق الانسان. فالمتطرفين العرب يقتلوننا بحجة أننا كفرة ومتعاونون مع الاكراد، وكذلك المتطرفين الاكراد يقتلوننا بحجة نحن كفّار ويجب إعادتنا إلى حضيرة الاسلام. فلا خلاص لنا من هذه الازمة إلا بقدرة قادر وتعاون دولي حقيقي وجاد وفعّال. كما أفترض بأن سيادتكم قد أطلعتم على الدراسة المرفقة، والتي أصدرتها جامعة جورج واشنطن بتاريخ 18/نوفمبر/2008، وقدمتة إلى الكونكرس الامريكي وهي تحمل نفس المخاوف بعد أن أستمع القائمين على الدراسة، إلى شهادات حية ومباشرة من نخب متميزة من تلك الاقليات في مؤتمر عام عقد في واشنطن بسبب تلك المخاوف.
لذلك، نرفع لمقام معاليكم هذه الهموم والمعاناة لشرائح من مكونات الشعب العراقي يمثلون أقدم أعراقه، وجزءً حيوياً من أرثه الحضاري، وهم يمثلون بقايا التاريخ العراقي. وأن هنالك جهات محلية وأقليمية ودولية ومؤامرات تحاك اليوم ليتم تفريغ البلد من تلك اللوحة الجميلة التي تحمل تاريخ المنطقة وهم معرضون للإنقراض تحت مختلف الحجج. منها على سبيل المثال لا الحصر؛ التذويب الاثني والتعرض لتغيير الخصوصية العرقية، والاجبار إما الدخول في الاسلام أو مواجهة الموت. وكذلك فإن ربط مصير المناطق المتنازع عليها والتي تتركز فيها غالبية الاقليات من الايزيديين والشبك والكلدوآشور والسريان والأرمن والكاكائية وخاصة في سهل نينوى، إضافةً إلى الكرد الفيليين والصابئة المندائيين في خانقين وجنوب العراق بحل المادة 140، جعلها منذ ست سنوات معرضة للشد والجذب فيما بين الكتل السياسة، وبذلك.
حرمت هذه المناطق من كافة استحقاقاتها الانسانية والثقافية والمدنية والخدمية والسياسية والانتخابية والمشاركة الحقيقية في صنع الحياة.
2- أنها أصبحت مناطق خاضعة للمساومة السياسية فيما بين الكتل السياسية الكبيرة، وكأن تلك الأقليات ملكاً خاصا بهم يتصرفون باستحقاقاتهم الانسانية حسبما تتطلبه مصالح الكتل السياسية، وليس لها حتى حق الاعتراض، وهو أمر مخالف لجميع معاهدات وعهود وبروتوكلات حقوق الانسان.
عليه، نضع أمام معاليكم مشكلة ومعاناة هذه الاقليات الذين أصبحوا مهددين بالانقراض بعدما انخفض عددهم بشكل مخيف بسبب الهجرة إلى الخارج، وخاصة الكفاءات منهم عقب التفجيرات الرهيبة "التي سميت بالنووية"، باربع شاحنات في قريتي القحطانية والجزيرة في سنجار التابعة لمحافظة نينوى بتاريخ 14/8/2007، التي راح ضحيتها أكثر من ألف إنسان إيزيدي بريء بين قتيل وجريح وتدمير القريتين بالكامل. وقبل ذلك مقتل 24 عاملا إيزيدياً على الهوية في الموصل بتاريخ 22/4/2007 بعد استبعاد المسيحيين والمسلمين من بينهم. بالإضافة إلى الهجوم الارهابي من قبل مسلحين أكراد بتاريخ 15/2/2007 على رموز وبيت الامارة الايزيدية في الشيخان وحرق وقذف بيت الامارة والرموز الدينية بالاحذية، وحرمان الاف الطلبة من تعليمهم الجامعي ولايزال. وقتل وتشريد المسيحيين في الموصل وبقية مناطق العراق وعدم امكانية أبناء الاقليات من تنظيم الوثائق الثبوتية كجوازات السفر أو الجنسية العراقية بسبب عدم قابليتهم على السفر والتنقل إلا من خلال الوسطاء، والابتزاز مقابل مئات الالاف من الدنانير في ظل أوضاع اقتصادية خانقة بسبب البطالة، وتركهم لأعمالهم الخاصة ووظائفهم ودراستهم الجامعية في مراكز المدن هاربين إلى القرى والقصبات طلباً للحماية من الارهاب المنظم.
إن الموضوع بحاجة إلى تدخل فعّال من لدن سيادتكم شخصيا بالتعاون مع الجهود الدولية المستمرة في احتواء هذه المشكلة التي ستضيف حتماً عبئاً ثقيلاً إلى ما موجود من مشاكل على أرض الواقع، في الوقت الذي بالامكان تلافيه قبل فوات الاوان واستفحال الامر، حيث لا نريد مغادرة بلدنا لانه فيه تراكمَ تراثنا وتاريخ وجودنا، وفيه أيضاً رموزنا الدينية وقبور شهدائنا واجدادنا. فأملنا كبير بقابليات وامكانيات وجهود الجامعة العربية والمجلس القومي لحقوق الانسان من خلال شخصيكما الكريمين بتذليل هذه المعضلة التي أصبحت لا تفارق حياتنا والتي ستلحق الاضرار الفادحة بمستقبل الاجيال المقبلة وتغيير ديموغرافية مناطق سكنانا من جديد من خلال تفريغه من مكوناته الممتدة في أعماق التاريخ. وإذا كان يستوجب ويسمح به وقت سيادتكم، فلا مانع من المقابلة شخصياً للتعرف عن قرب على ما يجري. ولكم بالغ التقدير والاحترام.


علي سيدو رشو/ عضو منظمة العفو الدولية
ناشط في مجال حقوق الانسان
أستاذ جامعي ورئيس رابطة المثقفين الايزيديين في العراق
حالياً أستاذ زائر في الجامعة الامريكية في القاهرة منذ 15/11/2007
Email: rashoali@yahoo.com
القاهرة في شباط / 2009

0 التعليقات: