اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو

الانتخابات ظاهرة حضارية، أوجدتها الضرورة بعد زمن طويل من الحكم الفردي الذي قاد البشرية إلى الهلاك لحقب زمنية، والذي قضى على الحياة والارض والكثير من الحضارات. وعلى الرغم من كونها لا تخلو هي الاخرى من العيوب والنواقص، ولكنها كمفهوم، فهي الافضل من بين البدائل لكي تأخذ بالبشرية نحو الاستقرار والتنمية والتطور.

هذا المفهوم افرز الكثير مما يحصل اليوم على الساحة العالمية ومنها منطقة الشرق. فهي (منطقة الشرق)، لازالت بعيدة عن اللحاق بركب ذلك السلوك الديمقراطي بشكله الشفاف الذي ينبغي أن يكون عليه الواقع لكي يأخذ دوره الانساني بين أمم الارض. وهي لازالت كذلك تأن تحت الحكم الفردي والانفرادي الدكتاتوري، أو الدكتاتوري الجماعي في غياب الانتخابات الشفافة والنزيهة بعكس العالم الغربي الذي غادر التهميش واقصاء الاخر المختلف عنه في الرؤى والأفكار والتوجهات والبرامج. وبذلك نَموا وتطوّرا وقصّروا المسافات، بينما تخلفنا نحن بعد أن كان الشرق مصدر الاشعاع الفكري والحضاري.
في الشرق، نحن الذين نصنع الدكتاتوريات ونصل بهم، وبالدكتاتور الذي صنعناه لحد التأليه. فالدكتاتور الذي نصنعه نحن، نتفنن في صنعه وصفاته وقدراته وامكانياته التي لا تختلف كثيرا عن قدرات وصفات الملاك الطاهر لاننا نحن الذين نصنعه ونفصله على قياساتنا وبحسب ثقافتنا التي لا تعرف الحدود في هذا الفن المنافق وابداعاته. وأن هذا الانسان الوديع الكادح المدافع الامين عن حقوق الناس في بداياته، والدكتاتور بعد فترة من تثبيت اركانه، ومن ثم الطاغية بعد حين، لهو سليل العائلة الفلانية ومنحدر من جده الرسول الكريم وإنه صاحب الجلالة والفضل على المجتمع والبشرية لانه ضحى من اجل الكل بعائلته وماله ومستقبله، ولولاه لهلكت البشرية لانه القائد والمفكر والرمز وأوجدته الضرورة. نعم هذا صحيح، ولكن هل هذا يسمح لهذا الملاك ان يتحول إلى طاغية تحت دعاية أنه سليل العائلة المعينة؟ وهل هذا يعطيه التبرير في أن يستمر في الحكم مدى الحياة كونه سليل العائلة الفلانية وابوه وجده كانوا مناضلين والبقية التي ضحت ليست إلا سلالم لكي توصله بهذه الطريقة إلى الحكم وبالتالي يتحول إلى طاغية يحكم الناس بالحديد والنار عندما يطالبون باستحقاقاتهم؟ هكذا هو الحال في شرقنا الذي نغني له ليل نهار.
في بداية عام 1991، وعندما كنا كعادتنا بعد الضربة الاولى لحرب الخليج وتدمير منشآتنا العلمية والحيوية التي كنا من منتسبيها، نتجاذب الحديث عما جرى ويجري آنذاك. دار الحديث حول مايجري في شمال العراق عندما علّق أحد الزملاء من الاساتذة الاكراد على ما يجري في الشمال آنذاك وامتدح الواقع الذي كان سارياً هناك وقال؛ هناك اليوم في كردستان عدد من ثمانية احزاب سياسية التي تعمل مع البعض بقلوب صافية، وانهم يعززون الديمقراطية والعمل الديمقراطي. فقلت له جميل أن نسمع هذا، بل ونبارك لذلك، ولكن اليسوا من واقع الشرق الاوسط؟ قال نعم. قلت له، إذن سوف ياتي اليوم الذي تتنافس (تتقاتل)، فيه تلك الاحزاب الثمانية بشكل غير الذي تصفهم الان وسيتقاتلون ويبقون اربعة أحزاب فقط. ويتقاتل الاربعة الباقية ليبقوا حزبان وسيتقاتل الحزبان الاخران ليبقى حزباً واحداً ومن ثم يتم تصفية البقية في داخل ذلك الحزب ليبقى على راس هذا الحزب الواحد دكتاتورا يحكمهم بالحديد والنار. قبل اسبوعين من الان، ارسل لي ذلك الصديق رسالة من كردستان وقال: اتذكر اليوم الفلاني عندما كنا نجلس حول نار الحطب بعد احداث 1991 وتكلمنا عن الوضع السياسي في كردستان؟ قلت له نعم اتذكره بالتفصيل. قال: اليوم في كردستان هو نفس ما كان حسب توقعاتك في حينها. هنا طبعاً مع الفارق الكبير لان العملية الان لها ما يميزها في المسيرة السياسية لانه هنالك كيانات متعددة مشتركة في العملية السياسية، ومنافسين لرئيس الاقليم، وهذه بحد ذاتها نقاط يجب احترامها واعطائها قيمتها حتى لو كان الامر يختلف على الارض، ولكن قد يقصد الزميل ما يجري من منافسات غير ودية، أو قد يكون له رأي سياسي في جماعة دون الاخرى. وفي رأيي فإن هذا لا يخرج عن الاطار الطبيعي للانتخابات التي تجري في كل مكان في العالم. ولكن السؤال، لماذا تحجب دعاية القوائم المخالفة للفكر السائد للعملية الانتخابية والتي تعبر عن مشاريعها الخدمية وعن أداء دورها ليطلّع عليها المواطنين؟ الم يدخلوا المعركة بشكل رسمي وقانوني وحسب تعليمات المفوضية العليا للانتخابات؟ إذن لماذا يُحاربون وتمزق مواد دعايتهم الانتخابية لو كانت العملية سياسية شفافة؟ لماذا لاتقاوم تلك القوائم عن طريق طرح الأفكار والبرامج بحيث يتعّود الشعب ليقول كلمته فيهم جميعا ويختار الافضل على حسب ما يقدمون من برامج لخدمتهم؟ هذا هو المطلوب لكي تتعلم الشعوب من حكامها كيف يجب عليهم ممارسة الديمقراطية الحقة؟ وكيف يجب أن يتجنبوا الاخطاء ويتبنّوا الصحيح؟
حصلت انتخابات (نزيهة) في العراق في عام 2005. وقبل شهر من الان 12/6/2009، حققت ايران انتخابات (ديمقراطية ونزيهة). وفي كانون الثاني الماضي كانت انتخابات مجالس المحافظات في العراق (نزيهة وشفافة). والان تجري في كردستان الاستعدادات لاجراء انتخابات (شفافة)، فالكل شفافين والكل يتغنون بالديمقراطية، ولكن الواقع يقول غير ذلك وأن جميعهم منافقين مع البعض وعلى البعض. ولهذا يصاب المجتمع الشرقي بالهول مما يحصل وتتعزز الازدواجيه في فكره يوما بعد يوم. إذن، ماذا خلّفت تلك الشفافية في ايران؟ وماذا حصل في بعض محافظات العراق ومنهم نينوى بالتحديد بعد تلك الشفافية؟ وماذا يمكننا أن نتوقع من انتخابات كردستان الشفافة في 25/7؟ فهل كان سيحصل ما حدث من مشاغبات ونهم لحقوق الناس لو كانت الممارسات ديمقراطية وشفافة فعلاً؟ لا اعتقد ذلك.
فمن واقع الامر للاحزاب التي تدخل المنافسة الانتخابية ان تعلن عن برامج خدمية وتنموية اثناء الحملات الانتخابية لكي يطلع عليها المواطن البسيط ويرى ما إذا كانت تمس حياته اليومية وتحسٍن من وضعيته وأدائه الحالي لكي يقرر لمن يدلي بصوته وعلى اي اساس. والمعروف ايضا بأن الاحزاب حينما تفوز، تسلم السلطة للإدارة التنفيذية وبقية السلطات القضائية والتشريعية إلى اداراتها لكي تتعامل مع المستجدات وتقوم بتنفيذ ما وعدت به، ويبقى دور الحزب تثقيفي ومراقب لما تتصرف على ضوئه السلطات المختلفة، وليس أن تحكم هي وتصبح بديلا عن الشرطة والامن والجيش والبلدية والصحة وتربك عمل الاجهزة التفيذية بتدخلاتها غير المشروعة. فالذي يحصل في الشرق هو أن بمجرد فوز الاحزاب، فإنها تستأسد وتستعرض عضلاتها وتنتقم من الخصم السياسي وحتى الذين وقفوا على الجانب الاخر وتسخر جميع امكانياتها المادية والبشرية للانتقام والتسلط بدلا من تنفيذ برامجها التي اعلنت عنها أثناء الانتخابات. وفي غضون دورة انتخابية واحدة تتحول إلى جهة تسلطية على رقاب الناس وتحتكر الميزانية وتقرب المفسدين وتنمي الفساد والمحسوبية بحيث لا يبقى في الدورة المقبلة اي مجال لنهوض معارضة حقيقية، وتتحول إلى دكتاتورية جماعية. هذا هو الحال الذي الفناه وتعودنا على اجتراره عقودا من الزمن المأساوي حيث الخيرات والامكانيات تستثمر للقهر والتخوين وشراء الذمم وإفساد السياسة والدين والمجتمع بالاموال التي يجب ان تصرف على الخدمات والتطوير وتصبح ميزانية الدولة بيد مجموعة من الحزبيين وتتصرف بها على أهوائها متناسية الوعود التي ادعت بها في فترة الانتخابات. فماذا استفدنا من نفط كركوك منذ عام 1927 ولحد الان؟ وماذا استفادت كركوك من خيراتها، بينما بنيت من تلك الخيرات ناطحات السحاب واكثر الجامعات العلمية تطورا في العالم؟ واين هي الوعود التي سمعناها قبل الاحتلال بأن واردات نفط العراق سوف توزع على المواطنين سواسية؟
طبعاً، من الصعب مقارنة ما يجري في شرقنا (الحبيب) من منافسة انتخابية بما حصل في فرنسا وامريكا على سبيل المثال، ولكن الا يمكن الاستفادة من تجاربهم الحية امامنا وكيف نجحوا في تقديم الصورة الحقيقية للعالم؟ كيف تم اختيار اوباما المنحدر من اصل افريقي مسلم، وعامل الحقول الزراعية في زراعة وبيع الخضراوات كرئيس لأكبر دولة في العالم من حيث انه ليس من سليل عائلة معروفة النسب والاصل؟ أليس هو الافضل قياساً بأبن النسب والحسب والدكتاتور الارعن "جورج بوش الابن" المعروف في جميع ارجاء الولايات المتحدة؟ ألم تقم السيدة كلنتون، المنافسة البارزة لأوباما بتقديم التهنئة له والانضمام إلى حملته في اليوم التالي من فشلها في المبارزة؟ ألم يتقدم المنافس الجمهوري جون مكين بالتهنئة للرئيس اوباما بعد فوزه لضمان أمن وسلامة واستقرار امريكا؟ لماذا لم تحصل اضرابات وانشقاقات وتخوين ومهاترات في الولايات المتحدة بعد فوز اوباما؟ لماذا نؤله الاشخاص ونعبدهم ونحولهم إلى ملائكة أطهار، وبمجرد سقوطهم ننهال عليهم بالسب والشتم والتخوين، بينما نصفق لهم ونمجدهم عندما يكونون في السلطة؟ أهناك منافقين أكثر منا نفاقاً في هذا الكون؟ جميع الذين يهاجمون البعث وصدام حسين اليوم كانوا من المصفقين والمؤيدين والمناصرين والمنافقين له. وبمجرد السقوط، تحولوا جميعهم إلى مناضلين وتحول المناضل إلى خائن ودكتاتور وطاغية والبقية تحولوا بين ليلة وضحايا إلى أنبياء اطهار لا غبار على ولائهم للحكومة الحالية التي تفننت في القتل والسرقة والافساد.
ما يجري في كردستان اليوم على خلفية الانتخابات المرتقبة في الخامس والعشرين من تموز الحالي من التمجيد والتأليه والتذكير بالماضي للبعض على حساب البعض الاخر. وفي المقابل ما ينعت بالتخوين والفساد والإفساد في الجانب المعارض الذي تقدم باوراق وبرامج واضحة ما هو إلا جزء من تلك الاسطوانة التي لم تعد تطلي محتواها على العامة من الشعب المظلوم، فالاشياء كلها نسبية بما فيه النضال السياسي. فما الضير في أن يتبوء كردي من الوسط الكادحي من الذين ذاقوا مرارة الحياة وضحوا باخوانهم من اجل القضية الكردية في أن يصبح أحدهم رئيساً لاقليم كردستان؟ وما المانع في أن يصبح شخص معروف بنضاله ومواقفه المبدأية من عامة الناس ليصبح رئيسا لبرلمان كردستان إذا كانت العملية فعلا ديمقراطية؟ ولماذا تمزق هذه القائمة بوسترات ومواد الدعاية للحزب الاخر إذا كانت تؤمن بالشفافية والتعددية الحزبية؟ وهل سيضحي سياسي كردي مؤمن بعدالة القضية الكردية بحق الشعب الكردي إذا كان من التكنوقراط ومن الوسط الفلاحي وفاز برئاسة الاقليم بدلا من السيد مسعود برزاني، أو رئاسة الجمهورية بدلا من السيد جلال الطالباني اللذين لا يمكن إنكار دورهما الريادي في المسألة الكردية على امتداد التاريخ النضالي الكردي وخاصة لفترة ما بعد السقوط؟
ف قراءة متواضعة في الواقع والمستقبل تشير إلى بوادر أزمة تنخر في كيان ما بنته دماء الشهداء في كردستان تحت يافطة العوائل والرموز والامجاد. وإذا مافاز مواطن من الوسط الاجتماعي فسيكون ذلك بحسب الحسب والنسب تجاوزاً على عائلتي البرزاني والطالباني، لكونهما من العوائل التي قادت العملية النضالية (وهذا لا يمكن انكاره)، ويجب أن يحكموا إلى أبد الابدين ولا يجوز التجاوز عليهم لحين أن يتذمر المواطن البسيط من الحكم والمسئولين ويشعر بالغربة في موطنه الذي دافع عنه بكل غالي ونفيس ومن ثم يتعزز (الحكم الملكي) ويبدأ المواطن البسيط بالتفتيش عن موطن جديد في أخر ايام عمره. فالخوف، كل الخوف في أن يتحول الامن والاستقرار في كردستان إلى نار تشب فيهم من الداخل ويخسر الشعب الكردي وبقية الشعب العراقي الذي أستفاد من الوضع الامني المستقر فيها منذ زمن في أن يتحول الموقف فيها إلى ما هو غير محمود العواقب. وهنا يجب أن لا يستبعد التدخل الاحنبي والامريكي على وجه التحديد لكونهم مطلعين قبل غيرهم على ما يجري في الساحة السياسية العراقية، والذين يتهمون السياسة الكردية ضمناً بافتعال الكثير من المشاكل والازمات. في الوقت الذي يحتاجون الهدوء ولملمة اوراقهم وترك العراق محافظين على ماء الوجه من الورطة التي دخلوا بها إلى العراق باحتلال بغيض دمروا من خلاله الانسان والارض والماء والحضارة وحولوا حياتنا إلى تشريد وهجرة وجحيم لا تطاق. والمهم الذي يمكن استنتاجه من هذه التجربة الجديدة هو أن المجتمع الكردستاني قال بعض كلمته في هذا الاتجاه والدليل هو هذا الاهتمام الكبير الذي أولته قيادة الاقليم ورئيس الجمهورية من خلال الجولات واللقاءات والاعلام والتصريحات والوعود بتنفيذ البرامج وتعتبر جميع هذه الدلائل إشارات إلى نمو وتطور الفكر الديمقراطي في كردستان، وأن الشعب أجبر القيادات على السماع لكلمتة وهو في مثل هذه المناسبة يعد إنجازاً كبيراً حقاً.
أما الصورة العامة، فإن الانتخابات في الغرب هي مصانع للسلام والاستقرار والوحدة والتنمية والتطور والازدهار. بينما الانتخابات في الشرق، هي معامل للتمزيق والتهجير والانشقاق وتكريس التخلف وخلق الفقر ونشر الفساد والافساد وتنمية الدكتاتوريات وتفريخ الارهاب والعنف والمظاهرات والتخوين. ألم يحن الوقت لكي يتفهم الحكام لكي يغيروا من هذا المفاهيم؟ ألم يحن الوقت للشعوب لكي تعرف ماذا اصابها جراء هذا الوهم الذي يركضون خلفه كالسراب؟ أم ستبقى تنتظر القوى الغيبية على قول الخطباء، اللهم أصلح حالنا واللهم أن تشفي مرضانا وأن تدمر عدونا.


علي سيدو رشو/ عضو منظمة العفو الدولية
الجامعة الامريكية في القاهرة
القاهرة في 20/7/2009

0 التعليقات: