اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


على رأي الكثير من الاخوان والزملاء؛ ففي هذه الايام برزت مجموعة من المقالات التي تعد من العيار الثقيل في حسابات الوضع الحالي. وفي رايي، فإن هذه هي النتيجة الطبيعية لما تفاعل من النقاش المنطقي مع الواقع على الارض لتسليط الضوء على الاعوام المنصرمة بما فيها وتقييمها وما كانت حبلى بها من أحداث، وهذه بحد ذاتها كانت عصارة لما مضى من الوقت الذي نما على تربته هذا التفاعل المحتدم والمتناقض والمختلف ومن ثم المتفق، وهو، قطعاً، لم ياتِ بالهين. إذن لم نخسر الوقت الفائت لانه ترشح عنه شي ايجابي. ففي ظروف المجتمعات الديمقراطية المتقدمة، يجد الفرد الكاتب (المثقف)، مجالات متعددة ليطلق لامكانياته العنان كاختبار لقدراته وملكاته الكتابية. وقد يرى في نفسه بأنه قادر على مواجهة النقد وبذلك يستمر في مسعاه، أو قد يكتشف في وقت مبكر بأن امكانياته لا تؤهله في مواجهة الجيل الذي سبقه والذي تدرب وامتلك من الخبرة ما تؤهلم ليكونوا المبادرين والمسيطرين على القلم وما يرافقه من التعبير، فينصرف في اتجاه آخر. وهكذا الذي حصل مع كتّابنا في الفترة الماضية بحيث انعزل قسم منهم عن المتابعة، ولكن استمر القسم الاخر في مسعاه وطّور من امكانياته وربط الاحداث ببعضها، وهذه هي سنّة الحياة.
لقد قرات ما جاء في الحلقة السادسة للعزيز هوشنك وهو يعرض وجهات نظر متعددة في شأن المثقف وركز بشكل اساسي على المثقف الإيزيدي لكون أن للموضوع شأن بهذا الامر. ومن خلال البحث وفي مقدمته بالذات، أرى بان السيد هوشنك يعطي تعريفات فيها شي من عدم الواقعية مع جل احترامي لرأيه في التفسير. فليس المثقف الإيزيدي وحده في الساحة على هذه الشاكلة، ويجب ان لا نكون مثاليين ونقفز فوق الحقائق في احكامنا، بل نقدر ونقيس الامور بظروفها الموضوعية والذاتية وكذلك تداعياتها كما جاء في الكثير من الفقرات. فمجرد ذكر الايزيدية كديانة أو كمجتمع لايعني بالضرورة أن الكاتب يقصد المجال الديني الضيق في الكلام او التعليق، وإنما بدافع التمييز واثبات الذات. واقول في هذا المكان:
عندما تقدمنا بطلب إلى منظمة عالمية بهدف الحصول على تمويل لرابطتنا في صيف 2003، فوجئنا بعدم الموافقة على الطلب موضحين فيها بأن يجب أن نغيير بعض فقرات النظام الداخلي وأن المنظمة يجب ان لا تحمل اسم ديني او قومي أو اي اسم فيه خصوصية معينة. وبعد الدخول في مناقشة جدية معهم قلنا لهم (بحضور أخينا العزيز اللواء حسين مرعان ودوره المشّرف)، بأننا معروفون بالإيزيدية؛ وبغيرها لا يمكننا ان نكمل مشوارنا لأنه هذا هو اسمنا دينيا واجتماعيا وتعريفنا هو بهذا الاسم. وبعدما افتهموا منا باننا لسنا منظمة دينية او ذات فكر ديني محدد، وافقوا على الطلب ومنحونا الدعم. وبهذه المناسبة اود القول: إذا لم نطالب بموضوعنا على هذا الاساس، فإن المنظمات الدولية وكذلك البنود التي يتضمنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان ليس فيهما ذكر لمكونات الشعوب، وإنما هنالك بنود خاصة بالاقليات الدينية والعرقية والتي بموجبها يمكننا المطالبة بما نتعرض له من انتهاك.
فليس كل ما يقال تحت اسم الإيزيدية او الاسلام او المسيحية هو بالضرورة يعكس الجانب الديني البحت، وانما تمييزا له ولخصوصيته في حقل القول المعني به لزيادة التعريف والخصوصية. فكم من مقالات باقلام كتّاب إيزيديين عالجت وضع المرأة وكذا الطفل ومن ثم الاقليات وبعدها الوضع الراهن سياسياً واقتصاديا وشعرا وادبا وعشقا وقبلها دستوريا وانتخابياً ونقدا وهجوما وتعليقا ولوحات فنية روعة في التعبير وفنانين أشبعوا الاحداث بما تستحق وغير ذلك. فهل خلا مقال لكاتب غير إيزيدي من ذكرهم فيه؟ وكم من هؤلاء الأخيار (من غير الإيزيدييين مشكورين)، كتبوا بحماس أكثر من الكتّاب الإيزيديين، أنفسهم، حرقا ووصفاً وتعبيراً وتعاطفاً؟ فراينا بأن الجميع تكتب برؤى متفاوته عن حالة حية ومتفاعلة ومستوعبة لدروس الماضي لكي لا يقع الحاضر والمستقبل في اخطائه، وبالتالي يصبح ضحية نسيان ذلك الماضي الذي يحمل في طياته الكثير من التراث الغني الذي لا يمكن الاستغناء عنه للإنطلاق به نحو المستقبل. فإننا في الحقيقة لا نتفق مع ما جاءت بها افكار زميلنا العزيز هوشنك في رؤاه هذه المرة بالتشخيص، ليس لاننا بالعكس من افكاره ولكن لو أخذنا الظروف الموضوعية والذاتية للحالة، سنجد بأن المثقف الايزيدي متقدم على غيره في الساحة التي يعمل فيها رغم كل الاسقام والمعاناة. فإذا ما فحصنا ظروفنا لحد ما قبل عدة سنوات، لم تكن جهة واحدة تنشر تعليقا بسيطا لكاتب إيزيدي حتى ولو كان محايدا في الوسط الذي يعمل فيه، فوجدنا كم من النقد والمنع وحتى قد يكون تهديد يعترض سبيل الاستاذ الفاضل زهير كاظم في مسعاه لبيان الحقيقة لكونها لا تتماشى مع افكار البعض. وهذا بحد ذاته كان العامل الاساسي لتقويض هذا الجهد الكبير وتحطيم لملكاتهم والخبرة في مجال الصحافة والاعلام وإثبات الذات.
فالكتابة هي الأخرى تحتاج إلى فن الاخراج لكي يقبل بها القاري ويستصيغها. فترى مقالات تافها في محتواها، ولكنها مكتوبة باسلوب شيق واخراج منمق وبالتالي ترى بان معظم القراء يطالعونها بشغف بسبب الاسلوب الذي يلائم ذوق القاري. بينما هنالك مقالات في غاية الدقة في معناها ومغزاها وعمق افكارها، ولكن الكاتب غير قادر على ايصال الفكرة بالاسلوب الصحفي الذي يستصيغه القاري أو أن القراء قد يكون لديهم موقف مسبق من الكاتب، وبالتالي يفقد بريقه ولا يشبعونه نقاشاً كما يستحق. ليس بسبب المقال ولكن بسبب الاسلوب والتعبير أو الموقف، ويجب أن لا ننسى الدور السلبي للثقافة والاعلام الموجهين حزبيا على تقويض وحجب امكانيات وملكات الكتّاب والمثقفين.
فلحد الان لم نرَ سوى زميل واحد خريج الصحافة في عموم المجتمع الإيزيدي وهو الاخ خضر دوملي، فتراه نشطا لانه يجيد اسلوب الكتابة وفن المخاطبة لانه درسهما في الفصول الدراسية التي قضاها ايام الدراسة. في هذا الامر انا لا اعني باننا يجب ان نكون صحفيين لكي نكتب، والبركة في الجميع، ولكن ما اعنيه هو عندما يذكر الكاتب الايزيدي مقاله حول الايزيدية لا يعني بالضرورة يقصد الدين في مفهومه الضيق ولا الافق المحدد بهذه الحدية التي رواها زميلنا هوشنك. وارى بان الكاتب والمثقف الايزيدي ابدع من غيره، بدليل إنه قطع في هذا الشأن مسافة طويلة بزمن قصير وعبّر خط الشروع مقارنة بغيره بزمن قياسي بسبب القيد والكبت الذي كان ولايزال يعانيه. ولقد ذكرني كلام زميلنا بموضوع حصل معي في مناقشة مع احد القياديين في حزب البعث في خريف 1996.
كنا جالسين وتطرق احد القياديين في موضوع جانبي وقال: "يا أخي، انا لا استنظف (هذولا) اليزيديين. تلاحقوه زملائي لتنبيهه واشروا له بما يريدون ان ينتبه إلى وجودي في المجتمع". وعندما حس بالموضوع وإنني إيزيدي بينهم قال: "ليس كلهم لانه لنا اصدقاء يزيديين ونحترمهم". في هذا الامر بقيت هادئاً وأردت ان استجمع قواي، وما اريد قوله لانه مناسبة جيدة لاستغلال موقف ضعفه لبيان ما اريد إفصاحه واحيط الموضوع بما يستحق من الرد، فقلت له: إنه جميل ان نسمع من قيادي وعميد كلية علمية مرموقة ودكتوراه في الاقتصاد السياسي وكادر متقدم في الدولة والحزب ان يطرح مثل هكذا شأن لنناقشه بهدوء ومن جوانبه المتعددة. فاعتذر الرجل عن كلامه ولكنه رحبت بفكرته وقلت له: لنناقش وليس في المناقشة من ضرر. فقلت: هل في رايك بأن اليزيدي غير قابل للتطور كإنسان، أم ان ظروف التقدم والتطور غير ميسرة له ومحجوبة عنه؟ ثم اليس في كلام حضرتك مع هذا المجتمع ومن غير مناسبة تعدي وتجاوز ومظلومية على مجتمع بكامله؟ هل زرتهم في بيوتهم ورايت معاناتهم بنفسك لكي تحكم عليهم بهذه الحدية؟ ثم دعنا نقارن عائلة يزيدية من الفلاحين مع ما يجاورها من الفلاحين العرب المحيطين بهم، ومن ثم مقارنة حي من بعشيقة مع حي من مدينة الموصل وبعد ذلك نقارن بيتي مع بيت احد زملائي الحاضرين معي. فبالتاكيد سترى بان الحال في جميع المقارنات لصالح اليزيدي الذي تنعته بهذا الجفاء. وبعد أن أحمر خجلا، قلت له: كيف تريد من انسان فقير يشتري خزان الماء بمبلغ ربع راتبه الشهري (إن كان له راتب) ان يكون نظيفاً؟ ولعلمك فإن الانسان والكلب والحمار والغنم يشتركون في استعمال الماء من نفس الغدير شتاءً. اليس من واجب جنابك ان تقدم فيه دراسة وتقف على الاسباب الحقيقة لتاخر المجتمع الايزيدي المنتج والمدافع الامين عن العراق بدلا من ان تكيل لهم التهم؟ عندها قام الرجل واعتذر بشدة عن كلامه وانتهى الامر. فلولا موقفه الضعيف لما استطعت ان اتحدث معه بهذا الاسلوب، ولكني كسبت النقاش بشرف. إذن هكذا هو الحال اليوم كما كان في السابق، وبذلك ترى تطوراً ولكنه ليس بمستوى الطموح الذي تتمناه في القرن الواحد والعشرين
لقد سقت هذا المثال لكي أقول بأن الفرصة لم تسنح بشكل طبيعي امام المثقف الايزيدي لكي يطلق لامكانياته العنان ويختبرها في معمل المجتمع ليقف منها على حاله ويقيسها بمرآة غيره لكي يحدد مكانته بالجدية التي يتمناها واين هو من هذا العالم. فمَن مِن المحيط الذي نعيشه اكثر منا يدعو إلى العلمانية وفك الارتباط ما بين الدين والسياسة؟ ومَن اكثر منا يدعو إلى الغاء الحلقات (الدينية)، إن صح التعبير؟ فليس لنا ابطال وهميين كما سميت، وانما دفعنا ثمنا غاليا لكل ساعة من وجودنا على ارض الله وتشردنا وتخلفنا وسبيت نساؤنا وانتهكت حرماتنا وحقوقنا الانسانية في جميع مفاصل الحياة ومراحلها، وأن الابادات الجماعية هي خير دليل عليها، وشرف كبير لنا لكي نستشهد بها كل يوم اولا: لكي لا ننساها/هم. وثانيا: الم ترو الاحتجاج في اسرائيل عندما القت أنجيلا ميركل كلمتها بالالمانية في الكنيست الاسرائيلي لكي يذكّروها بالانتهاكات في زمن النازية؟. ومن ثم علينا ان نعتبر تلك المآسي بمثابة نقاط مضيئة لكي نستشهد بهم في كتاباتنا وتعليقاتنا كما يفعلها الاخرون لربط تلك الحلقات ببعضها وليس في ذلك عيباً وسوف لن يلومنا عليها أحد. وإنني إذ اقف باحترام امام العديد من المسائل التي عالجتها تلك الكلمات والاقلام التي ناقشت صفحات وفترات التاريخ وما سلطت عليها من رؤى وجنابكم واحداً من تلك القافلة.
ولكن هل يكفي ان تكون جهودنا فقط لتعالج الفعل ورد الفعل، والنقد والانتقاد، ونقد الذات، والقاء اللوم، واستجداء بدون ان يكون لنا فيه بعض التضحية؟ وهل يمكن لاحد ان يحصل على حق بدون تضحية؟ أعتقد الذي يطالب الاخرين بدون ان يفكر اولا بالتضحية إنسان ساذج ولا يستحق ان يقال بأنه مثقف أو يصنف ضمن خانة الكّتاب حتى. أليس كل هذا الكم من المقالات والدعوات هي دعوات التجديد والحوار المتمدن والمجتمع الديمقراطي؟ وارى بأن ردود الافعال والنقد والانتقاد لهي من ضرورات العمل الديمقراطي ولا تعكس الجوانب السلبية في النقاشات والردود لانها السبيل الوحيد للتعرف على الموضوع من جوانبه المتعددة لكونها ردود على الافكار وليس على الأشخاص. فقسم كبير من المتحاورين لا يعرفون بعضهم بعضا، بل وحتى الادوار السلبية يجب ان تحترم لانها في النهاية هي نتيجة. ومتى ما أخذت النقاشات الوجهة الصحيحة بعد تقليم المنافقين الذين لهم (ركضة خيل الشرطة)، وأخذت نصيبها الكامل من مداخلات المثقفين، ترى بأن الامور استقرت نوعا ما وألبست النقاش ردائه الملائم. أما كيف يجب ان نستوعب هذا الأمر بحيث لا يفلت من مداره الصحيح لكي يبقى في حدود الموضوع المعني، فهذا هو السؤال الكبير. وفي رأي، فإن تحوّل معظم كتّابنا من ثقافة الفعل ورد الفعل والتشنج والاتهام والتصٍيد بعد أن اشبعوه نقاشاً وفرزت المواقف وتبين الغث من السمين، تحولت الامور إلى ثقافة من نوع ثانِ وبشكل من اشكال الهجوم في عمق الخط الامامي للجبهة من حيث المطالبة الدقيقة بما يجب ان يكون. إضافةً إلى ذلك بدأ المجتمع نفسه يتقبل ما يطرح الان من قبل المثقفين واصبح يحسب لهم حساب بعدما اخترقوا الحاجز الذي غشى على عيون الكثيرين. فتحولوا من ثقافة الانا إلى ثقافة المعالجة والنظر بعدة ابعاد لنفس المسالة.
ومن جانب ثانِ ارى زميلنا العزيز ويؤكد في اكثر من مرة على الدين الشفوي؛ فمتى كانت الاديان ليست شفوية؟ أليست هي التي نزلت على الانبياء بشكل شفوي ومن بعد فترة زمنية اصبحت كتب سماوية؟ ما العيب في الدين الشفوي؟ صحيح يجب ان يكون مكتوبا لكي يقرأه الجميع في بيته رجلا كان، أم طفلا، او امراة، بحيث لا يحتاج لجهد كبير أو لشخص آخر حتى يترك عمله لارشاد الناس، بل ويصبح عامل اساسي في التعليم. ولكن كم من مرة حاولنا (الجميع)، لتشجيع القيادة على الاقدام على مثل هذا الامر ولكن للأسف لازالت من غير نتيجة. فالسبب ليس غيرنا وليس المثقفين وحدهم يتحملون هذه المسئولية، وإنما الموضوع أكبر من هذا الذي نتصوره. فللإيزيديين مثل بقية الاقليات العراقية تمويل للأوقاف (إن طالبوا بها)، لمثل هذه النشاطات بما فيها عقد المؤتمرات وإعمار المراكز الدينية وارسال الوفود إلى الخارج وبناء دور العبادة في القرى لكي تكون اماكن العبادة والارشاد الديني والروحي منتشرة في كل مكان وعندها سيتم النقاش الحقيقي لانها قد تصبح البديل عن الشيوخ والمتنفذين. أليس جرماً ان تبقى جميع قرى الإيزيدية لحد الآن بدون مكان للإرشاد الديني والروحي؟ هل هذا يحتاج إلى قرار سياسي؟ أليس بإمكان كل قرية بناء دار بسيط لهذه المهمة النبيلة من امكانياتها المتواضعة؟ نعم بامكانهم ذلك،
ولكن، وبكل اسف نقول بان هنالك خلل كبير في القيادة للضغط على الإيزيديين الذين في مراكز القرار الحكومي بشقيها المركزي والاقليمي للمطالبة بهذه الامور التي هي من الحقوق العامة للناس لكي تتمتع بها ومن ثم ستساعد هي بدورها الجهات الرسمية نفسها في الدولة لكي يكون الارشاد الديني جانبا اساسيا في التربية والارشاد والتوجيه. فلماذا لا يكون في كل قرية إيزيدية صالة معينة للإرشاد الديني حالها حال بقية الناس في العراق؟ هل الخوف منها لكي لا تتحول إلى مراكز إرهاب؟ ولماذا هذا الخوف من الجانب الديني ودوره في الارشاد الروحي لاشباع هذا الجانب الحيوي في نفس الانسان؟ واعتبر هذه دعوة لتسليط الضوء على هذا الجانب وأرجو من المعنيين ان يأخذوا هذا الجانب على محمل الجد في النقاش والمزيد من الافكار والرؤى وقد كنت قد نقلت الفكرة للسيد رئيس الوزراء العراقي الدكتور الجعفري في 6/2/2006 . فالمطالبة بهذا الامر يقع ضمن المطالب المشروعة والقابلة للتنفيذ بسهولة وبالتاكيد سيكون له تاثير بالغ على التوعية والارشاد إذا ما تم تعيين ناس من ذوي المعرفة ولا يشترط ان يكون رجل دين وإنما يكون في كل يوم موضوع معين ارشادي اجتماعي او ديني أو للمراة وقضاياها أو عن الطفولة أو التربية الاخلاقية أو دور العولمة وتأثيراتها السلبية على الاجيال لانه ليس كل الناس يقرأون ويكتبون وبذلك ستوفر لهم الكثير من خلال الارشاد والتوجيه الشفوي وهو لا يحتاج أكثر من ذلك.
اليس كل هذا ابداع وتسليط الضوء على ما يجب عمله في هذا الزمن بعد ان تهيأت الظروف الموضوعية للإرتقاء بالمواهب الذاتية إلى مديات ابعد لكي تقوم بواجبها على اكمل وجه؟. وكم من الذين كتبوا انتظروا "شرف الدين" كمهدي منتظر لكي تقحمه في هذا المكان يا سيدي؟ منذ ان قرأت اول مقال على الصفحات الالكترونية لم أجد ما يشير إلى هذا الامر لكي نتهم الناس بها. فجميع الاديان لها مهدييها ورموزها وحجها واركانها وشخصياتها وقياداتها، فلماذا لا يكون لنا؟. ولكننا نفتقد لمعظم هذه الامور من الناحية العملية ومع هذا ترى بأن المجتمع الإيزيدي لا يؤمن بالقتل أو الاعتداء أو الانتحار، فكيف إذا زاده اشباعاً في الجانب الروحي بتوازي مع ما يراه من الحياة الدنيوية؟
ويجب في كل وقت ان لا نخفف الضغط على المثقف لكي لا يشعر بالخدر، بل علينا المطالبة بالمزيد ووخزه بالمهماز من خلال إثارة مواضيع لها تاثيرها. ولكن متى كان باستطاعة هذا المثقف في تحريك الشارع تحت هذا الضغط السياسي والحزبي الضيق الذي لا يعرف سوى ثقافة التسلط والمداهمة والعنف وإلغاء الآخر (One Way)؟ فإنني أرى بأن المثقف الإيزيدي والكردي والعربي والفارسي والتركي هم أشجع بكثير من المثقفين في الغرب الديمقراطي، لأن الكثير منهم أصبحوا ضحية مقال أو رأي أو تحريض على مظاهرة سلمية أو لقاء تلفزيوني لقول الحق، ومع ذلك لا يتوقف عن النضال للنهوض بواقع مجتمعه إلى الامام. إذن ماذا نريد منه أكثر من هذا الذي يقدمه لكي نتهمه بما لا يستطيع حمله أكثر؟ فكم من مدافعي حقوق الانسان الان يعيشون في زنزانات الانظمة القمعية؟ ومع ذلك ترى الاخرين يمدون هذا الجيش المجهول بالدماء بشكل يومي كونهم على دراية بأهمية دورهم كثروة للبلد وتنوير الطريق لمن هم ليسوا في وضع يستطيعون تشخيص ما يجب تشخيصه. فليس العيب في المثقف، فكنا ولا نزال تحت قانون السلطة وليس سلطة القانون والمجتمع المدني لكي نتهمه بالتقصير، وإنني إذ أرى بأنهم سيصبحون الآباء الروحيين فيما بعد من الزمان.
لماذا تطور الغرب وتخلف الشرق وخاصة العرب؟ ف "لب المشكلة" هو قمع المثقف والغاء دور القلم في تنوير ما يجب ان يعلمه الجميع. فالغرب سمح للمثقف ان يكتب ما يريد وهو يعتبر المثقف ثروة كما هو النفط أو الزراعة أو الذهب، بل يزيد عليها في مقدار معين لعلمهم بان لكتاباتهم دور اجتماعي، تنموي، فكري، نهضوي، إرشادي، وعلمي وتسليط الضوء على دور المواطن في التنمية. وبما انه هو هكذا فنرى في الجانب الاخر تقليل في ثقافة العنف والهجوم والتباكي واللوم وغيرها بالعكس تماما عن شرقنا. فالمثقف الحزبي مدعوم ماديا ومعنويا وباستطاعته ان يعقد ندوة أو يرسل دعوة لجمهرة أو يعقد مؤتمر أو يلقي سمنار بهدف ايصال فكر حزبه وبثقافة حزبية ضيقة. ولكن لا تتوفر مثل هذه الامكانيات للمثقف المستقل الذي في كثير من الاحيان يدفع حياته ثمناً لنشاطه بدلا من ان يلقى الدعم لنشاطه الفكري.
عندما كانت النشاطات في العراق حول الاستفتاء على الدستور على أعلى درجاتها والمنظمات الدولية والحكومة العراقية والأمم المتحدة مهتمة به وتقدم الدعم المادي للتوعية الدستورية. حصلت رابطتنا على تمويل من المعهد الامريكي للسلام لعقد عدة ندوات في مناطق الإيزيدية لنشرح لهم معنى الاستفتاء وأهمية الدستور وكيفية امكانية الاستفادة منه وما هي بنوده وكيف يعالج مستقبل البلد ويحافظ على أمن الأقليات وغيرها. فطلبت من مركز شنكال الاجتماعي الثقافي أن نقيم ورشة عمل ليومين في قاعتهم ولكنهم اعتذروا لعدم امكانيتهم في توفير القاعة. وعندها اضطريت ان اعقدها في مقر الحركة الإيزيدية من أجل الاصلاح والتقدم ولكن اتهموني الاخوان بالانحياز للحركة، مع العلم قبل الجميع طرقت باب الاحزاب الكردية. وعندما زرت بعشيقة لنفس الغرض، راجعت مركز لالش هناك قبل الجميع كونه مركز (إيزيدي للأسف)، وطلبت منهم عقد ندوة في قاعة المركز واعطيتهم مهلة اسبوع لكي لا يقولوا بأن القاعة ليست جاهزة وقلت لهم خلال هذا الاسبوع أو في اي وقت يناسبكم من الممكن ان نقيمها. ولكن اعتذروا لكونها مشغولة طول هذه المدة. فاضطريت ان اعقدها في مقر الحزب الشيوعي في بحزاني. وعندما طلبت من بعض أعضاء الهيئة الادارية للرابطة ومن المحامين ليلقوا محاضرات في الشيخان مقابل مبلغ مغري (ساعة ب 50 دولار)، ويقولوا لهم بأن الدستور هو افضل ما موجود ونطلب منكم التصويت، اعتذروا بسبب عامل الخوف من بعض الجهات الحزبية. لذلك، هل ما بعد هذا الخنق من عمل إلا في وسط المستحيل؟ هكذا هو حال المثقف اليوم ضمن تنظيم مجتمع مدني ورسمي (ولكنه ديمقراطي حد العظم). فماذا يعمل المسكين؟ ولكم التقدير والمحبة، ومن الله التوفيق.

علي سيدو رشو/ رئيس رابطة المثقفين الإيزيديين
الجامعة الامريكية في القاهرة.
2/نيسان/2008

0 التعليقات: