اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


لابد في البداية ان نتذكر جميعاً بأن المرأة ما هي إلا ذلك الكائن العظيم الذي لولاه لما كان الخلق والتجديد، بل هي تعد بمثابة مؤسسة تعليمية وتربوية. وعندما نتحدث عن المرأة فإننا نتكلم عن الطفولة أيضاً، لأن المرأة والطفل يكملان بعضهما البعض ولا يمكن فصلهما عن الآخر. وبذلك إذا كانت نسبة الإناث والاطفال هي بحدود 75% من مجموع سكان الأرض، نرى بأن ربع البشرية فقط هو الذي يرسم مستقبل الثلاثة أرباع الباقي وهم الاطفال والنساء. لذلك من الطبيعي أن يحصل انتهاك وتجاوز على حقوق الحلقات الأضعف في المفهوم الاعتيادي، ولكن تقدم الحياة وتنقيح القوانين وزيادة المعرفة سوف تعمل على تهذيب هذا السلوك حتماً.
فلكون الموضوع ذو أهمية بالغة ويمس شريحة أساسية من المجتمع فلا بد من ان ندلي براينا فيه، ولكن الرأي الأساسي يكون للقانونيين الذين يتمتعون بسداد الرأي والخبرة في مجال الحقوق والواجبات. وهنا لا بأس من المرور على بعض النقاط التي نراها ضرورية بأن تذكر في هذا الشأن، حيث إننا مع الرأي الذي يمنح المرأة حقها في الميراث ويصون كرامتها ويضمن مستقبلها، وليس هذا فقط وإنما مشاركتها في العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وصنع القرار. وفي نفس الوقت نحن ضد مبدأ المتاجرة والمهور التي باتت تضيف اعباء ثقيلة على كاهل الشباب ويجعل من الفتيات أن يدفعن الثمن لما يترتب على العملية من عزوف الشباب عن الزواج بسبب تلك التكاليف، وزيادة نسبة العنوسة وبالتالي انخفاض في التناسل والانجاب. ولكن يجب أن نفهم حقيقة أساسية وهي أن المرأة لايمكنها ان تنال حقوقها في مجتمع تسود فيه الأعراف على القوانين. ولهذا فإنني أرى بأن إثارة هذه القضية بهذا الحجم وفي هذا الوقت لا تخلوا من أن يكون وراءها عامل سياسي لتغيير وجهة النقاشات الجارية في بعض شئون الإيزيدية وتحويل الانظار إلى المشاكل الذاتية بدلا من التركيز على ما هو أكثر أهمية من هذا الشأن رغم أهميته. لابأس أن نناقش وننضج الامور بما يمكن معه أن نخلق قاعدة عريضة ليسلط من خلالها الضوء على أي موضوع لكي يتأهل لأخذ قرار بشأن الإصلاح. ولكن طرح مثل هذه الافكار وبهذه الحدية وبشكل مفاجي يدعوا إلى الاستغراب والتساؤل.
لذلك نطلب من الجميع التروي في الكتابة وعدم التشهير والطعن وكأن المجتمع الإيزيدي هو الوحيد المتوحش في هذا الكون وهو بعد لم يغفوا من حملات الإبادة والتقوقع. فإلى حد غير بعيد لم يكن للإيزيدي سوى دار من الطين وفي أفضل الأحوال لم يكن لديه أكثر من مساحة محدودة من الأرض ليعيش من خيراتها وكان المجتمع مقتنع بما هو عليه من دون مشاكل، ولا زالت الغالبية العظمى منهم على تلك الشاكلة. أما السادة الذين رأوا فجأة العالم الغربي ويريدون تطبيق ما يناسب الغرب في مجتمع شرقي عاني من ويلات قل نظيرها في التاريخ في ظرف عدة سنوات وقلب التفكير العشائري بهذه السرعة، فلن يكتب له النجاح في راينا المتواضع، بل يزيده تعقيدا وتخبطاً. مثلاً، ماذا يمكن ان نقول في موضوع النهب للفتيات في سنجار بالدرجة الساس؟ أليس هذا بحاجة إلى ضبط قبل إصدار قرار بشأن الميراث؟ وقد يكون لي رأى بعكس ما قاله العديد من الأخوة والأخوات بشان مكانة المرأة في المجتمع الإيزيدي قياسا بما حوله من المجتمعات من حيث الحفاظ على سمعتها وكرامتها، ناهيك عن حالات شاذة قد تحصل في أي مكان في الشرق بل وفي العالم، لأننا بشر وكل بشر معرض للخطأ.
إنني كناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني أعرف ما يتضمنه الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي انطلق في العاشر من ديسمبر 1947 وفيه ضمان لجميع الحقوق المدنية للإنسان، وتبعه إعلان اتفاقية "سيداو"، الخاصة بحقوق المرأة في سبتمبر 1981، واتفاقية حقوق الطفل عام 1990. ولكننا نسمع يوميا وعلى مستوى العالم ومن نفس الدول التي انطلقت منها الاتفاقيات، ابشع الانتهاكات لحقوق المرأة، وحتى الرجال والمجتمعات الأصلية والاقليات العرقية والدينية، في الوقت الذي يحكمهم القانون سواسية بشكل محايد تماما. فالعيب ليس في القوانين والأتفاقيات والتشريعات، والحكمة ليست في سرعة إصدارها، ولكن العيب في التطبيق وثقافة المجتمع. ليس القصد من هذا الكلام بأننا يجب ان لا نبحث في هذه الشئون، بل علينا أن نأخذها بعقلانية وإعطاء الموضوع قيد المناقشة نضج كافي ودراسته من كافة جوانبه وابعاده الفكرية والدينية والاخلاقية والاجتماعية من دون عواطف أو إثارة مشكلة في الوقت الذي ينتظرنا ما هو أكثر إلحاحاً في هذه الايام مثل حال الايتام والمهجرين بعد كارثة تل عزير والجزيرة، وما يخطط له الارهاب والمستقبل السياسي والدستوري في ظل التحول الجديد. لماذا لا يتم التركيز على المِنحة التي اطلقتها الولايات المتحدة (10 مليون دولار)، وايطاليا (8 مليون دولار) للاجئي الأقليات في العراق؟ أليس الإيزيديون جزء من تلك الأقليات التي ارغمت على التهجير؟ أين مصير الآف الطلبة ومستقبلهم؟ هل نضمن بأن الذي حصل في جامعة الموصل لا يحصل في جامعة دهوك أو أربيل في ظل حكومات غير مستقرة وغير ناضجة سياسياً؟ هل تستطيع المرأة التي تريد حقها أن تزور مدينة عراقية لكي تقوم بالمطالبة بمستحقاتها من الميراث؟ هل يستطيع مواطن إيزيدي أن ينظم له وثيقة رسمية في العراق بأكمله من دون أن يتم ابتزازه لكونه ممنوع من السفر قسراً؟ ما هو مصير المناطق الإيزيدية لحد الآن؟ هل ستستمر هجرة الشباب بهذا الحجم من دون دراسة ووضع حلول واقعية لها؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابة، ولكن لابأس من المرور سريعاً على بعض النقاط التي نراها ضرورية في هذا الشأن.
علينا أن نتذكر خلفيات المجتمع الإيزيدي كونه مجتمع ريفي بالدرجة الأساس ولا نقفز فوق الحقائق، فإذا كانت نسبة الامية تتجاوز 70% بين النساء، كيف تستطيع المرأة في هذه الحالة ان تعرف ما هي حقوقها، وكيف لها ان تطالب الرجل الأمي بالمساواة معه؟ وهل ستكون المطالبة بالحق عن وعي؟ لذلك، أرى بأنه مطلوب منا جميعا والنساء بشكل خاص التركيز على الجانب التعليمي كحجر أساس لكي تستطيع تبويب ما تراه مناسباً للمرحلة التي عن طريقها تستطيع معه المطالبة بما تريد. فالمجتمع أمي، والقيادات أمية، والحكومات متخلفة، والقوانين بحاجة إلى مراجعة وتنقيح، ووسط كل هذا الكم من الاخطاء نريد أن نكون مثاليين. فالحال بحاجة إلى مراجعة وتروي ودراسة الأمور بشكل عقلاني من خلال مجموعة نزيهة من الحقوقيين لكي نخرج بمحصلة موفقة يشاد بها ويقبلها المنطق ومتطورة مع الحياة، ومن ثم يمكن إعلان النتيجة للإستفتاء بحيث يتم معالجة بعض ما لم يتضمنه التشريع أو غفل المشرعون عنه.
لكي تستطيع المرأة أن تطالب بحقوقها أرى من الواجب عليها ونحن معها في تغيير فهم الرجال لدور المرأة الحيوي في الحياة، ومساهمتها الفاعلة في تهذيب السلوك الذكوري والحد من نشاطة الفسيولوجي ونظرته إلى الحياة التي بدت تتغير في كل لحظة. وقد يحصل هذا الأمر فيما إذا ناضلت المرأة نفسها، ونشد على يدها بقوة، في تنظيمات نسوية فعالة من خلال تشكيل جمعيات ونوادي ثقافية واجتماعية بعيدة عن الافكار والهيمنة الحزبية التي تريد لها ان تكون في خدمة أهدافها غير المشروعة، ومن ثم إقامة دورات تشارك فيها الرجال والاطفال للوقوف على أفكار المرأة ومتطلبات الطفولة، ويمكنهم معاً بناء مجتمع يقبل فيه كل منهما الآخر برحابة صدر وانفتاح.
لذلك عندما قرأت بعض المقالات التي كتبها الأخوة والأخوات وهي بطبيعتها فعالة وتستحق الثناء، ولكنها متقدمة على هو ما موجود على أرض الواقع وفيها بعض العفوية والاستعجال. وعلى هذا الأساس نتمنى أن تقدروا حال المجتمع الذي لا زال في الخطوة الاولى من على عتبة الحياة الجديدة. فعندما نلقى نظرة على واقع المجتمعات التي سبقتنا في هذا الحقل، نرى بأنهم عالجوا الأمور بحكمة بحيث تكون الخسائر أقل ما يمكن من حيث التضحيات. واعني بهذا، بانهم درسوا الواقع واستفادوا من التجارب المريرة التي مروا بها ومن ثم وضعوا الحجر الاساس بشكل بحيث يتحمل البنيان. وهذا ما حصل فعلا ولكن ومع ذلك، فالمرأة لا تزال في تلك المجتمعات تعاني من بعض المشاكل والتحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أي أن مسألة حقوق المرأة ليست فقط مع المجتمع الإيزيدي وإنما هي مشكلة على مستوى العالم ولكنها بدرجات مختلفة على حسب طبيعة وثقافة تلك المجتمعات.
على ضوء خبرتي المتواضعة في اللجنة العليا لشئون الإيزيدية التي كنت أحد أعضائها لمدة ثلاث سنوات. عندما كنا نناقش موضوعة إنشاء بوابة لمرقد لالش، استوقفتنا حالة غريبة وهي هل نكتب في مقدمة البوابة كلمة "الله" أم نكتب كلمة "خدا"، وأخذ منا هذا الأمر قرابة اربعة جلسات بواقع جلسة في كل شهر أو على أقل تقدير إجتماع نصف شهري. فلم نتوصل إلى نتيجة موفقة في حينها بسبب أنه لو كتبنا كلمة "الله"، فسيكون ذلك حساساً من قبل القيادات الكردية، وإذا كتبنا "خدا" فسيعطي ذلك إشارة إلى أن الإيزيديين مع الأكراد. وفي حينها قلت لهم، لنستمر في البناء ولنترك مكان هذه الكلمة فارغة لحين أن يستقر الوضع ونستطيع معه كتابة ما نستطيع كتابته. وفعلا نال نال مقترحي الاستحسان ولكني لا أدري ماذا حصل فيما بعد لاني وبعد قناعة تامة بأنني لا أستطيع عمل تغيير إيجابي في الأمر، قدمت استقالتي واعتذرت عن مثل هذا العمل اليتيم والعقيم.
ماذا ترجون من مثل هذه القيادات يا أخواتي ويا أخوتي من الكتّاب والمثقفين والمدافعين عن حقوق الانسان وبالأخص حقوق المرأة والطفل. هل رأيتم مستوى التعليم في القرى والمجمعات في سنجار لكي تطالبون بما هو أعلى؟ فالبناء يبدأ من الأساس وليس من القمة. صحيح علينا أن ندرس قضايا المجتمع الملحة بالتوازي مع بعضها لكي لا تحصل فجوة يصعب ردمها في المستقبل، ولكن ولكي لا يبقَ مجال لتلك الفجوات لابد من وضع أساس سليم للحفاظ على اي مكتسب يحصل عليه المجتمع. لقد أجريت إحصائية وفيلم وثائقي عن مستوى التعليم في قرى الإيزيدية في سنجار في آذار 2007، وفي مدرسة واحدة في مجمع الجزيرة "سيباية الشيخ خضر"، كان عدد التلاميذ (2117 ) تلميذ وتلميذة وكان معلم واحد فقط على الملاك الدائم والمعلمين العشرة الباقين كانوا من المتطوعين من أهل القرية مشكورين يدرسون أبناء جلدتهم بدون مقابل. وعندما سألناهم بأن حكومة الأقليم عينت بعض المعلمين، تبين بأن هؤلاء ليسوا مخولين بتدريس التلاميذ إلا إذا سجلوا في التعليم الكردي. لذلك أرى بأن أساس مشكلتنا هي في التخلف عن التعليم وسنبقى في هذه الحالة ما لم نهتم وبشكل كامل بالعملية التعليمية والزج في دوائر الدولة المختلفة، فارضين أنفسنا على الواقع رغم الأنوف.
لذلك أنصح أخوتي في المصير أن ينتبهوا إلى بعض ما يجري، وليس كل العيب في القيادات الدينية والعشائرية، ولكننا نتحمل العبء الأكبر بأن يتم التوعية التي تنشد التغيير من خلال دعم التعليم لخلق جيل واعي كمادة أساسية وحجر زاوية للبناء. لابأس أن نستمر بالمطالبة ونشر الوعي باستمرار وبالتوازي مع الضغط على القيادات لكي تشعر بأن الحياة قد تغيرت من حولهم ولم يعد خافياً على أحد ما تجري من أمور. ومن الممكن أن نصبر على موضوع الميراث عدة سنوات أخرى لحين تهيأة القاعدة الجماهيرية لقبول الفكرة بشكل تام، وفي نفس الوقت تستمر المطالبات بها بدون توقف وبشكل هادي ومدروس وإنضاجها بعد الاستئناس بتجارب المجتمعات التي سبقتنا وتتشابه معنا في التركيبة السكانية أو على الأقل التي لنا معها بعض المشتركات. لقد طلبت من عدة شخصيات نسوية بتنظيم جمعيات تهتم بالأيتام والارامل محاولين من خلالها على خلق قيادات نسوية للعمل في الميدان والنهوض بواقعها. ولكن وبكل أسف لم نجد أية استجابة بسبب، أولاً؛ كوننا مستقلين كرابطة مثقفين إيزيديين عن الأحزاب السياسية وثانياً؛ هيمنة الاحزاب والخوف من الملاحقة والاحراج. لذلك ليس من السهل العمل في الميدان وخاصة في الواقع الذي نعيشه لانه واقع غير طبيعي وغير ناضج بأي شكل من الاشكال، ولكن المهم هو عدم ترك المجال ليستمر الحال بدون معالجة.
أيضاً من خلال قراءاتي لمعظم المقالات في هذا الشأن أستشفيت منها وكأنهم يتصورون بأن الإيزيدية ذات كيان مستقل ويستطيعون فرض الأمر على البرلمانات الموجودة على الساحة، أو على الأقل لهم نظام مستقل ويستطيعون معه تغيير الفقرات التي لا تلائم الواقع الإيزيدي. صحيح في الشرع الاسلامي يوجد حق الميراث للمرأة، ولكن كم هي حجم المشاكل الاجتماعية التي تنجم عنها مع انها ضمن الحقوق المشروعة لها. وصحيح بأن الدين لا يفرق بين هذا وذاك في الحقوق ولكن القوانين الوضعية لها في بعض الأحيان ما يبرر ذلك. وفي هذه النقطة أود توضيح أمر في غاية الأهمية في نظري المتواضع. أثناء حملات الإبادة أو في بعض الحالات التي تشذ المرأة أو يشذ الرجل عن السلوك الديني المتعارف، أي الخروج عن الدين باقتراف إحدى الخطايا الكبرى، وفي هذه الحالة لها أو له الحق في المطالبة بمستحقاتها/ه في الوقت الذي أصبح في العرف الإيزيدي خارج الديانة ولا يجوز له المطالبة بذلك. عليه يجب معالجة مثل هذه الحالات بشكل متوازي مع صدور التشريع الذي يمنح المرأة حق الميراث، أي يتم إنشاء نَص في التشريع يحجب بموجبه حق الميراث في مثل هذه الحالات. وأرجو من الله أن يكون ناصرنا في خدمة الانسانية ونحن جزء منها.



علي سيدو رشو/ رئيس رابطة المثقفين الإيزيديين
القاهرة في 24/12/2007

0 التعليقات: