اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو

أحياناً، بل في أغلب الاحيان تعد الردود على الكتابات بمثابة اختلافات في الرؤى والافكار وهي من المسأئل الطبيعية، بل من الواجبة الحصول لكي يأخذ النقاش في الوضوع المعني أبعاده ويستقر في حجمه الطبيعي. فمنذ عام 2004 وانا اكتب وانتقد وأغضب بعض الزملاء وأهجم على البعض الاخر وانتقد القسم، ولكنني لا أستثني نفسي بعد كل موقف من الانتقاد ايضاً. فمنذ بدايات كتاباتي وأنا أنتقد صراحة وبدون أدنى تقصير المواقف التي أراها غير صحيحة من وجهة نظري، وفيها قد أغضبت الكثيرين بدون أدنى شك. في حين لم تكن لي مصلحة شخصية في كل ما أنتقد أو أكتب بشانه، أو أجعل من البعض تتصور وكأنني مع هذا وضد ذاك، ولكن أعتقد بأن مقاصدي واضحة ولا تحتاج الكثير من البحث عن النهج الذي انتهجه في الانتقاد. فقد يرجع الامر إلى طبيعة كتاباتي التي لا أفسح فيها عن كل الجوانب مثلما أوكد غالباً على جانب واحد في منظور البعض. وقد توصلت إلى قناعة بأن هذا البعض يفهم الامور فقط في الزاوية التي لا تعجبه فيها تلك الكتابات، وخاصة فيما يتعلق بالجانب القومي ويفسر بأن اي أنتقاد لهذا الجانب هو من قبيل الكفر وخطاً أحمراً يجب عدم تجاوزه، ولكنني ارى الأمر بغير ذلك المنظور لأنني ببساطة شديدة لا أعني الجانب القومي الفني بقدر ما اؤكد على الاخطاء التي تقترفها الناس تحت هذه التسمية وتسيء إليها أكثر مما تنفعها.

فأول الامر حصل مع قيادي إيزيدي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، حيث قال لي؛ أن كتاباتك هي ضد التوجه القومي الكردي، وإننا سوف ندعم موقفك إن كتبت مقالاً وفندت فيها مزاعمك. قلت له اولا، كتاباتي ليست مزاعم، هذا غير صحيح بدليل انا اكتب بشكل علني واكتب اسمي الصريح، وسوف لن أكتب كلمة بعكس ما أؤمن به، وإنما أنتقد السياسة الخاطئة التي تمارسها الساسة الاكراد على الارض، لأن الارض تنطق باخطائها وأن الذي ينتقد صراحة ليس بالضد من الفكر، وإنما ضد التصرّف. فقد نجد في الواقع ما لا ترونه وما لا يصلكم من دقائق الاحداث، وأن غالبية ملاحظاتي هي اشارات إلى وجود مشاكل جمة قد تكون عقبة في طريق الكثير مما يجب ان يحصل فيما لو تم التعامل مع الواقع بعقلانية. وقلت له؛ منذ 40 سنة والايزيديين مسجلين عرب في القيد العام، وخلال هذه الفترة أصبح الامر شيئاً اعتيادياً لكي يتلفظ الايزيدي بالكلمات العربية والسلوك العربي وأن أي سلوك من الممكن أن يستوطن في فترة 40 سنة. ويجب ان لاننسى دور العلاقات والتأثيرات التي تشكلت على طول هذه الفترة وما تعلق بها من المواقف الانتهازية والمصلحية التي سادت المجتمع بسبب سياسة الامر الواقع وعدم وجود اكثر من خيار واحد أمام الانسان. وقد حصل هذا مع بقية شرائح المجتمع العراقي بما فيهم الاغوات والشخصيات الكردية. وكنا نتحدث فإذا به يسأل زميلي عن سنة تولده، فرد زميلي على الفور بأن مواليده 1968 باللغة العربية، فضحك القيادي الكردي وقال: والله كلامك صحيح بدليل الرد من زميلك على سنة تولده بالعربي لا شعورياً.
إذن للأمر صلة بالماضي وتأثيراته، وعليه كان يجب أن تؤخذ تلك الظروف بنظر الاعتبار ولكوننا كنا نعيش هذا الواقع ونتعايش معه ونتلمس حيثياته بشكل يومي، كنا نقول يجب ان يؤخذ الموضوع بعناية لكي لا يصطدم بالواقع كنصائح وليس كردود أفعال حتى تتجنب الاحزاب الكردية نفس ما وقعت فيه غيرها. ولا يجوز تطبيق الواقع الذي استقر لمدة 15 عاماً في كردستان بالقوة في سنجار وخلال اسبوع ، لانه حتماً سيصطدم بالواقع. وكتبنا الكثير في هذا الشأن ومع تلك الكتابات زادت مساحة الانتقاد وبعضها أخذت جانب الكره وبعضها الاخر جانب القطيعة، بل وقسم كبير من زملائي قال لي بالحرف "أنت ضد مصلحتك الشخصية يا شيخ علي، وأنا أفهم هذا الكلام". ولكي لا أطيل من الكلام كثيراً اود أن أرد على بعض ما ورد مؤخراً، وأخص ملاحظات السيد بير خدر جيلكي والسيد مراد من خانصور.

فبالنسبة لملاحظات السيد جيلكي أقول:
كنت طالباً في الكلية أثناء احصاء عام 1977بعد سنتين من مباشرة العمل بتجميع الايزيديين من جميع القرى المحاذية للجبل في مجمعات سكنية في سنجار لاسبابها المعروفة للجميع. وعندما استقبلنا موظف الاحصاء في المسكن، جلس الرجل وفتح صحيفة العائلة واخذ هويات الاحوال المدنية ودققها بعناية ثم بدأ يكتب في الحقول المخصصة لكل حالة بحالتها. فسجل المعلومات الخاصة بكل حقل من حيث الاسم والعمر والانحدار الطبقي والدين وحجم العائلة وعدد الغرف وعدد ونوع الحيوانات والمستوى التعليمي وغيرها، لكنه لم يسأل عن الاتجاه القومي وكتبها بدون اية استشارة في ذلك الحقل "عربية". قلت له ولماذا لم تسأل فنحن أكراد من الناحية القومية، عندها رد بكل هدوء وقال؛ يا أخي انت إنسان متعلم ونحن لدينا تعليمات بأن حقل القومية لجميع اليزيديين سيكون عربي سواء اراد ذلك ام ابى. وقتها لم يكن لنا خيار بديل لان الدولة كلها كانت بنظام واحد، ولم يكن لأي إنسان حتى من الذين يسبقون الريح بالتهجم علينا في الوقت الحاضر وسبق البرزاني الراحل في الكردياتي، مالم يسجل عربي في حينه. إذن لم يكن في اليد حيلة آنذاك وأصبح جميع اليزيديين وقتها عرباً وقد سموهم بعرب الجنسية، ولكن ضد رغبتهم جميعاً.
المهم في الامر بقينا عرباً رغما عنا ويشهد الله عندما كنا نكتب في حقل القومية "عربي" كانت الحسرة تختنقنا لأن الأمر كان ضد إرادتنا في تسمية الجانب القومي، ولكننا لم نكن نملك بديل آخر سواه. فلنرَ ماذا حصل لكل ذلك التراكم الزمني من العروبية الايزيدية خلال زمن قصير لا يتعدى لحظات؟ لقد انهار كل شي في ظرف ساعات لانه بنى على باطل، وكل باطل سوف ينتهي بنهاية غير موفقة. ويجب أن لاننسَ بأن باطل اليوم سيفشل إذا ما ركب رأسه ولم يعر الاهتمام المطلوب بالموضوع واعتباره بالجدية المطلوبة.
في اكتوبر 2003، دعا السيد عارف رشدي رئيس فرع حزب الاتحاد الكردستاني في الموصل آنذاك، أعضاء الهيئة الادارية لرابطة المثقين الايزيديين ومجموعة من اساتذة جامعة الموصل لدعوة غداء، وكان الرجل يريد أن يتفهم من هذه النخبة بيان موقف المثقفين الايزيديين من التوجه القومي لدى الشريحة المثقفة. ولكوني رئيساً للرابطة، وبعد تناول الغداء، تحول الامر إلى الحديث عن الموضوع الذي دعينا من أجله. وبعد الترحيب وإلقاء كلمة قصيرة بالمناسبة، شكرته على دعوته ودخلنا في النقاش الهاديء الاخوي مع بعض.
شرحت بشكل مقتضب جدا بعض ما جرى بحقنا خلال الفترة الزمنية لحكم العراق وخاصة التي حكم فيها البعث، وأشرت إلى بعض الامور والاضرار الاساسية التي لحقت بنا جراء النظرة السياسية القومية والدينية البحتة. وقلت له، نحن تعرضنا إلى تعديات مزدوجة والان دخلت الامور حياة جديدة وبيد القوى السياسية الكردية الكثير مما تستطيع ان تفعله، لذا نتمنى ان لا تبخل على حلفائها المخلصين بما تستطيع ان تفعله لكي تستقطبها وتمحو تلك الاثار والترسبات التي تراكمت بفعل الزمن وما لحق بهم من القهر السياسي. كما قلت ايضا بأننا لم ولن ننكر قوميتنا الكردية ولكن على أساس الاستحقاق وعدم التهميش واعتبار خصوصيتنا الدينية في المقام الاول. أي أننا لا نتفق مع السياسة التي تمارسونها الان من خلال ربط الوظيفة بالتعيين وكذلك فرض القومية بالاكراه وبحسب ما يريده كل حزب على قياساته لأنه هنالك اختلاف في الرؤى بين الحزبين الكرديين ونحن نريد ان نكون أكراداً بارادتنا وأن نحظى باستحقاقاتنا. ووضحت كذلك ما نريد منهم في ان يكون لدى الحزبين برامج عمل لكي يفهم المواطن ماذا ستقدمون له من الامكانيات والخدمات التي حرموا منها وهم ينتظرون الكثير منكم، وسنكون فرحون بما سيتحقق على ايديكم.
بعدها اشترك بعض الزملاء في النقاش والمداخلات وكانت في مجملها تصب في نفس الاتجاه الذي شرحناها له. ولكن الامر اختلف بعد مغادرتنا من حيث التعليقات من البعض من الحاضرين بخصوص ما فسح عنه أحد الزملاء عندما قال: أنا أعرف نفسي إيزيدي قبل كل شي وأن شعوري القومي هو إنني كردي فأرجو أن يكون هذا الشعور يتعزز وارى بأن الامر يتحقق بدون ان تكون هناك حساسية فيما بينهما. وهنا استغل البعض هذا التفسير من الزميل المتكلم وأخذوا عليه على أنه ضد التوجه القومي الكردي في حين لم يكن يقصد ذلك مطلقاً. أي انهم حرفوا معنى كلامه على أساس النوايا كما يحصل معي في كل وقت. وبعد المداخلات اجاب السيد عارف على بعض الملاحظات بشكل اخوي وبهدوء وتعهد قدر الامكان بتقديم ما يمكن، وقد عبرنا عن سعادتنا بالدعوة واكدنا على ضرورة التوجه القومي الكردي وبأن تحصل برامج ارشادية لمحو الاثار التي تعلقت باذهان الناس بشكل مدروس وعقلاني وبعيد عن الحساسية مع اخذ جميع الظروف المحيطة في الاعتبار.

فإنني يابير خدر العزيز لم أقل يوماً باني لست كرديا، ولكن سوف لن اهلهل واحمل راية وانادي باني كردي مثلما يفعل الكثير منكم، ويكفي الاعلان عن الموقف القومي ومن ثم يوم المطلوب ان اعلن عن موقفي القومي. والباقي يجب أن يكرّس للخصوصية الايزيدية ضمن التوجه القومي وأن لا تكون القومية بديلة أو وصية على الخصوصية الدينية لاننا بها نخسر كل شي. ثم أريد أن اقول كلمة في اتجاه آخر لكي لا يفهم البير العزيز بان كل حزب هو عبارة عن مجموعة منزهة ومنزلة من السماء. فجميع الاحزاب التي حكمت العراق العربية القومية، والكردية القومية، والعربية الدينية والكردية الدينية ماعدا افكار الحزب الشيوعي هي جاءت بانقلابات عسكرية أو أتت على السلطة تحت رعاية جهة دولية لتحقيق مصالحها على حساب الشعوب. وأن هذه الاحزاب جميعها هي مجموعات سرقت السلطة تحت هذه المسميات ولم يأتِ أي حزب منهم إلى السلطة ببرنامج واضح وعبر الانتخابات النزيهة لكي نبجلهم ونقع في فلك افكارهم صاغرين. وأن غالبية المسئولين من هذه الاحزاب هم انتهازيون وشكلوا عصابات داخل تلك الاحزاب في السلطة بهدف المزيد من السرقة والاختلاس والانتقام متسترين بظل الحزب الحاكم وهم يقولون "هي فرصة، أضرب ضربتك، ترى اليوم يومك". وفي ظرف خمس سنوات تشذّى حزب الدعوة، والاتحاد الوطني الكردستاني وتأسس حزب الهورمانيين في كردستان، والحركة الايزيدية، وانقسم الحزب الاسلامي... وووو. فماذا جرى لكي يحصل كل هذا؟ وما هو سبب هذا التشّذي والانقسام والاختلاف؟ هل الاختلاف في المباديء أم الاختلاف على الغنائم؟

فهناك فرق كبير بين الكردياتي والتكريد يا بير خدر. فالكردياتي هو أن تعلن انت بمحض إرادتك عن قوميتك وتعلن عنها بقناعة لا يهزها ريح، وتقول ذلك وانت مطمئن على نفسك وبضمير مرتاح. ولكن التكريد هو أن يفرض عليك واقع قومي رغماً عنك من قبل القيادة السياسية الكردية التي لازالت تشكك في كرديتنا كما فعله البعث في تعريبنا رغما عنا والتي انهارت في ظرف ساعات كما قلت. وهذا الذي أعنيه بحرية الاختيار القومي يا بير خدر ولست أعني بما ذهبت إليه مع الاسف وهذا تصور الكثيرين عني في هذا الشأن ولكني بريء من هذه التهم. فقد حصل التعريب رغماً عنا وانتهى بضربة قاضية على تلك الافكار، ولكن صدقني بأن ردود الافعال التي وردت بين المجتمع الايزيدي هي بسبب هذا الفرض القومي رغما عنا وبدون مقابل. وأن أي موقف يفرض بالقوة سوف يكون له رد فعل سلبي من الطرف الاخر لأنه ببساطة يسحب منهم كرامتهم في الاعلان عن موقفهم الذين هم يريدونه بقناعة، وبالتالي وكأنه مفروض عليهم من غير ارادتهم وعليهم قبوله مرغمين.

فالحركة الايزيدية تقول بأننا إيزيديو القومية، ولا يمكن لأحد إنكار هذا الشي كونهم حركة سياسية ودخلت الانتخابات وفازت بمقعد على هذا الاساس. إذن اصبح هذا الامر واقع ولا يمكن تجاهله على الأرض مهما علا جبروت البعض وتخوينه لهم مثل ما يفعله جنابكم ويقولها بحقهم. واسمح لي أن أقول بانك على خطأ كبير في هذا الشأن لانك لست وصياً على أحد، وكذلك لم يولّيك أحد لتكون بديلا عنهم. ومن الجانب الثاني هناك من يدعي بعروبته ومن على شاشات الفضائيات وبصورة علنية وسوف يكتب في حقل القومية "عربي"، ولا أحد يستطيع أن يفرض عليه غير ذلك. وهذا أيضاً أمر واقع وعلينا أن نتفهمه شئنا أم أبينا. أما الغالبية العظمى من المجتمع الايزيدي فهم أكراد بدون أدنى شك. وهناك هورمانيون يريدون تاسيس كيان خاص بهم.

لذلك، وفي هذا الوسط المختلف والمتشابك وفي ظل وضع يدعي القائمين عليه بالديمقراطية، لا تستطيع أن تحجب الفرصة عن أحد والدليل هو هذا الضجيج الاعلامي والضغط الدولي الذي هز كيان الحكومة العراقية والاحزاب التي تراجعت صاغرة عن مواقفها التي وافقت عليها بشأن حقوق الاقليات ومناقشة حقوقهم من جديد، وإلا، أليس هم انفسهم مَن ألغوا تلك المادة واليوم يتراجعون، كمنافقين، ويعملون بها رغما عنهم؟ أي إنه عندما شريحة معينة تدعي بأمر معين في ظل وضع يدعي القائمين عليه بالديمقراطية، لا تستطيع أن تقف في وجههم وتقف بالضد من إرادتهم، لأنه بكل بساطة ومهما تاتي بأمثلة عن الاصل والتاريخ، فبالتأكيد للجانب الثاني ايضا حججه وملاحظاته ليقولها ويطبقها سواء اتفقت مع بعضها أو أختلفت بشأن بعضها الاخر.

فالايزيديين لم ينكروا واقعهم القومي الكردي، وعندما قلت ليكن لهم حرية الاختيار أنا واثق بأن 90% منهم سيقولون نحن أكراد، وقد أسبقك في هذا الاعلان وبقناعة يابير خدر. وأن القيادات السياسية الكردية واثقة من هذا الجانب ولهذا فهي مطمئنة ولم تقدم ما مطلوب منها بالشكل الصحيح، مع الاسف، لأن الامر محسوم. ولكن في كل الاحوال لا تستطيع مصادرة حق ال10% الاخرين من اختياراتهم القومية وحتى الدينية وقد ينمو هذا ال 10% ويصبح البديل لل 90%. وبهذا ارجو أن يكون هذا الامر قد أضحى واضحا بالنسبة لك يابير خدر. فوالله أنا حريص على الكردياتي أكثر منك يا بير خدر، وسيأتي اليوم الذي يتوضح فيه كلامي هذا.

أما بخصوص ملاحظات الاخ مراد من خانصور:
فما تفضل به مشكوراً من ذكر لبعض ما كنا نقوم به فيما مضى بخصوص الطلبة والمساعدات فهي كانت من صلب واجباتنا، وليس لنا فيها مِنة على أحد، ويجب علينا كجيل متعلم أن نرعى التعليم ونشجعه ونبارك فيه لأنه الاساس في كل تقدم وبدونه لا يمكن لمجتمع أن يخطو عتبة التخلف ويفتح باباً على الحياة والمستقبل. فماذا عسايا أن اقول بحق سيدة وأرملة شهيد من خانصور كان لها أربعة أبناء في الجامعه؟ ألا تستحق منا نحت تمثال لتضحياتها وتحملها ومعاناتها؟ هل يعلو موقف لمثل تضحية هذه السيدة الفاضلة بأن تخرج أبنائها الاربعة من الجامعة، في الوقت الذي يتباكى الآلاف من الرجال وتندب حضها بعدم ارسال ابنائهم إلى الجامعة بحجج لا ترتقي مستوى هذه الفاضلة؟ وأشكرك على ما ورد على لسانك من مواقف حصلت مع ابنائي الطلبة في حينها وكنت أحس بالبهجة والسرور عندما كانت تأتيني افواج منهم وارى البسمة ترتسم على وجوههم وهم يقبضون تلك الهدية السخية من أهلنا الكريم في المهجر. وكنت أقرأ الوجوه وكأنها تقول بأنه يجب أن يكون مقابل هذا المبلغ نتيجة علمية وهي فعلا كانت كذلك، وقد انقذت تلك المعونة عوائل ومستقبل شباب في كثير من المناطق وخاصة سنجار والتي كان يتفطر لها القلب لشدة الماساة والحاجة.

فكنت أطلب منهم أن يتذكروا قيمة هذا المبلغ البسيط وأهميته والطريقة التي جيئت بها لكي تردون النتيجة بفرح على عوائلكم ومستقبل اجيالكم، ولا يخفي على أحد، معاناتي مع المطالبات الامنية التي دعيت خلال تلك الفترة سبع مرات لمديرية أمن الموصل والتحقيقات التي اجروها معي. ولكن أقولها وللتاريخ فإن مدير أمن الموصل استدعاني وحزمت كافة الاوراق والمستندات الخاصة بالمبالغ وقلت له بأن قاسم ششو هو المتبرع الاول في هذه القائمة ولكنه ساهم وارسل هذا المبلغ للعلم وليس للإرهاب أو لشيوخ العشائر وإنما لدعم التعليم. عندها شكرني الرجل واعطاني رقم هاتفه الشخصي وقال في اي وقت تتعرض لاية مضايقة من جهة أمنية بهذا الخصوص تتصل بي بشكل شخصي وبهذا أطمأنيت على حالي بسبب بعض وجهائنا (الكرام) والفتنة التي افتعلوها في حينها بسبب تلك الاموال لأنهم لم يحصلوا منها على حصتهم. والاهم من كل ذلك كنت احاول أن اسرق الخجل الذي يعتري البعض من استلام ذلك المبلغ في حينه لكي لا يشعر بالمهانة ويعتبرها طبيعية ومن دون مِنة من أحد.
ولكن يا أخي الكريم مراد، لو تكرمت جنابكم وفحصت مقالاتي ستجد فيها الكثير التي تقصد وبشكل مباشر الارهاب الدموي الذي صدر من الجانب العربي ومن الارهاب الفكري السلفي. أما لماذا أركز بالعتب على السياسة الكردية في حق الايزيديين فهي للأسباب التي سأوردها، كاسباب لما جرى ويجب علينا أن لا ننظر دوماً للنتائج وما يحصل، وإنما نبحث عن الاسباب والدوافع التي ادت إلى ظهور تلك النتائج. والمشكلة العراقية هي أن الجميع تتحدث عن ما يحدث كنتائج ظاهرة، ولكن لم تبحث في الاسباب التي تقف وراء تلك النتائج التي تؤدي إلى حدوث تلك المفاجع:
في جميع مؤتمرات المعارضة العراقية في بيروت ولندن ومرورا بمؤتمرات الاحزاب السياسية العراقية في صلاح الدين والناصرية، تحمّل الجانب الكردي هموم المجتمع الايزيدي واعتبروه جزءً من الشعب الكردي وباركنا ذلك بدون تردد من خلال زيارات للمقرات الحزبية في ايامها الاولى. وعلى ضوء ذلك تصرفت الحكومة العراقية مع الواقع الايزيدي. والذي شجع من أن الحكومة تعتبر ذلك أساسيا هو ما قاله سمو الامير تحسين بك قبل سقوط النظام بساعات من على فضائية كردستان. ولا أكتم سراً إذا قلت بأن غالبية الايزيديين لم يؤيدوا ذلك التصريح خوفاً من أن النظام قد لا ينتهي بما أنتهى إليه وبذلك يمكن أن يرجع وينتقم من الايزيديين مرة ثانية. وبتاريخ 4/10/2004 التقيت في بغداد بالرجل الثاني في حزب الدعوة، وكنا قبل ذلك بساعات في المجلس السياسي الشيعي الاعلى بهدف توضيح وزيادة الشفافية وتبديد الغشاوة فيما بين مجتمعنا والمجتمع الشيعي. فكان جوابهم على كل سؤال هو أنكم أعلنتم على لسان أميركم بأنكم أكراد وبهذا أصبحت حقوقكم في جيب القيادة الكردية. فهل تريد أوضح من هذه الادلة لكي نطالب الحكومة الكردية ونتهمها بأنها هي المسئولة أخلاقيا وسياسيا عن معاناتنا وأمننا.
تتصرف السياسة الكردية مع الواقع الايزيدي من حيث الواقع على الارض كما هي جزء من كردستان من حيث المقرات الحزبية والكسب الحزبي إليها، والمجالس البلدية والتعيينات الادارية والقوات الامنية والاستخبارية والسيطرة على كل مفاصل الحياة اليومية وتطويق كل ما لا يتماشى مع السياسة الكردية من حيث التعليم والمواقف السياسية والامنية والخدمية وفك الارتباط الايزيدي العربي التي دامت لمئات السنين، والوضع الانتخابي والتحكم بالنواب وممثليهم في المجالس البلدية المحلية والبرلمانية وغيرها. ولكنها لا تتعامل مع الحق الايزيدي بتلك الروحية في الجوانب التي يجب أن تقوم بها في حفظ الامن والنظام. إذن كلامنا في هذا الاتجاه يوضح حقيقة واحدة وهي أن القوى السياسية الكردية تحملت أمام القيادة العراقية وقوات التحالف مسئولية المجتمع الايزيدي، وهذا بطبيعته يفرض التزامات اخلاقية وتبعات سياسية بحيث يكون أمن هذه المناطق من أمن كردستان، خاصة إذا ما عرفنا بأنها تعيش في وسط الوحش الارهابي فيما بين قدومهم من سوريا وايوائهم في الاعشاش والاوكار في تلك المنطقة المحيطة بالايزيديين. ألم يستطع المسئول الكردي في سنجار بحمايتها قبل كارثة تل عزير وسيباية الشيخ خضر بعمل نفس السياج الترابي وعمل دوريات ومفارز في مفاصل الحركة مع الجهات المفتوحة على الجيران من العرب، خاصة إذا ما علمنا بأن الوشاية كانت قد انتشرت بقوة بوجود عملية ارهابية ستحدث في مناطق الايزيدية قبلها بايام؟
الجانب الاخر والمهم هو أن استحقاقاتهم المالية تذهب إلى كردستان، ولكن من دون صرف اي مبلغ على المشاريع الخدمية والاصلاحات المطلوب القيام بها. وبذلك فإنه فرز من هذا الامر ما يلي:
تحديد حركة المجتمع الايزيدي إلى ابعد حد بحيث لم يعد يستطيع كأي عراقي أن يقوم بواجباته الانسانية اولا تجاه عائلته ولم يستطع أن يتجاوز حدود البلدية التي ينتمي إليها حتى في احلك الظروف الصحية والاقتصادية على سبيل المثال. وقد كان هذا بسبب تأييد الايزيديين للسياسة الكردية وليس لكونه إيزيدي فقط. فهنالك العشرات من القصص التي وقع فيها الايزيديين بيد تلك القاعدة والارهابيين قبل 2007، ولكنهم بمجرد تّعرفهم على هويتهم الايزيدية اطلقوا سراحهم مثل عمر فارس من تل قصب وهو الان يعمل في حقل غانم نواف في خانصور ويمكنك التأكد منه شخصيا، ومجموعة شباب من بعشيقة وشاب من أيسيان على طريق بغداد وغيرهم كثيرين. إذن لماذا حصل هذا التغيير؟ إنه بسبب ذلك التأييد. فلا نريد أن تخطأ الاحزاب الكردية مع أعز وأقرب حلفائها وهذا من باب الحرص فقط، ولكي تسد الطريق على الارهاب الدموي الذي يمارسه السلفيين العرب.
تنامي حجم الفساد بكافة اشكاله وخاصة الاجتماعي بدلا من أن تقوم تلك الاحزاب ببرامج ارشادية وتوعوية وتطوير التعليم والخدمات والصحة والوضع الانساني. فشجعت من التفرقة والانتهازية والتخلف والفساد الاداري والاجتماعي والسياسي، وهذا هو مأخذنا عليهم لانهم لم يتعاملوا مع الواقع الايزيدي بالصدق الذي كان يجب أن يكون عليه الأمر.
قمع اية نهضة مهما كانت نوعها فيما بين المجتمع الايزيدي المثقل بالجراح بحجة يمكن أن تتحول مستقبلا إلى حزب سياسي، وأكبر الادلة هو هذا الهروب الجماعي وخاصة الشباب المتعلم الذي لم يعد يستطيع تحمّل هذا الواقع المزري الذي خلقته السياسة الكردية الخاظئة بإطلاق مجموعات من المسعورين بكتابة التقارير الكيدية والفتن والتلفيق وتكميم الافواه.
ولكي لا نطيل عليكم أكثر، فإن عتبنا على السياسة الكردية هو عتب الاشقاء، فلا نستطيع أن نتحمّل منهم نفس المعاناة التي كنا نتحمّلها من القيادات العربية لأننا وبكل بساطة شركاءهم في المصير. فإننا نقدم لهم الارض والبشر والدعم والتسهيلات ولا يجوز ان يبقى هذا بدون مقابل أو يكون مقابل ذلك الاستجداء والكدية. فالوجود الكردي في سنجار والشيخان وبعشيقة هو بسبب التسهيلات التي قدمها لهم المجتمع الايزيدي وهو الذي أتمنى أن يكون محل تقدير واعتزاز القادة الاكراد لأنه هنالك مبررات حقيقية لمخاوفنا. ويجب أن لا أنسى بأن أشكر الاخ الكريم كرتان على ملاحظاته ومداخلاته المستمرة.
ولكم الشكر والتقدير على ملاحظاتكم

علي سيدو
القاهرة في 14/10/2008

0 التعليقات: