اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


في خضم أحداث التاريخ وخاصة في حالات التركيز الإعلامي على بعض الأحداث والمواقف مثل الشخصيات العالمية ومنها رؤساء دول كما هو الحال مع فضيحة الرئيس كلينتون ومونيكا ليونسكي، فإن هنالك جهات معينة وشركات عالمية تقوم باستثمار واقعة ما بوضع صور هذه الشخصيات على واجهات الإعلانات أو تسمية موديل من السيارات أو نوع معين من مواد التجميل وما شاكل ذلك بهدف تجاري أو سياسي. فالأمر في قصة "دعاء" التي اهتمت بها وسائل الإعلام بشكل مثير قد تخطى كل هذا ووصل به الحد إلى أكثر من اهتمام وسائل الإعلام بإعدام صدام حسين وخاصة في الوسط الإعلامي الكردستاني على مختلف مستوياته بدءاً بالشارع وانتهاءً بالفضائيات، مما يستوجب الوقوف عنده وتحليل حيثياته. فما هو الذي يجري في الخفاء لكي يحرك كل هذه المحاور لتحقيق أمر معين؟ وما هي الدوافع من ورائها؟
لقد حصل الأمر ووقعت الواقعة، وفسّره كل على هواه بما سمع أو شاهد أو حلل أو استنتج، وأن الغالبية سلّطت الضوء على الجانب الانفعالي والعاطفي حتى لو كان القصد منه ابعد من ذلك، وهو المؤكد. وكتب آخرون حوله حسبما تستدعي مصلحتهم وفّرغ الجميع شحناتهم على حجر دعاء. فكتب قسم من الناس مواضيع وقضايا في أمر معين ولكن كان القصد منه أمر آخر، أو أن البعض صب جام حقده على البعض الآخر ولكن بأسماء مستعارة، ونظم القسم الآخر الشعر وكتب آخرون القصص، وآخرون كفّروا الإيزيدية على جديد وهكذا دواليك. كما وأن الموضوع تفاعل عالميا وبشكل مذهل بحيث كانت ردة الفعل لدى الجانب الإسلامي وخاصة في الشارع الكردي والمنظمات الدولية وكأن دعاء هي مشكلة العراق الأولى تاركين كل هذا الكم الهائل من الجثث والأشلاء المتقطعة وأجساد الأطفال المحترقة ومئات الآلاف من الأرامل التي تزداد يومياً في العراق بسبب أحداث العنف والسيارات الملغمة ومئات المساكن التي تتهدم على رؤوس أصحابها وتدمير العوائل عن بكرة أبيها وتفجير الأماكن المقدسة وبيوت العبادة، وما حصل لأطفال الحضانة في بغداد، وفضائح سجن ابو غريب، وتفرغوا لموضوع دعاء.
نحن لا نبرر العمل الإجرامي واستنكرناه بشدة ولا نزال، ولكن ما هي ثقافة مجتمعنا وهل نعيش في ضاحية باريس بمعزل عن محيطنا الإسلامي الذي تقول سننه بأن الزانية ترجم؟ (ولكن الطب الشرعي أثبت حتى عدم حصول الزنا). هل يجوز اتهام قوم وديانة كاملتين بجريرة مجموعة من الشباب المتهور؟ وإذا كان البعض حريص على حقوق الإنسان ويتهمون مجموعة من الشباب بما حصل، أليس حري بهم أن يتهموا العشرات من أفراد القوات المسلحة والبيشمركة والشرطة في محيط ما حصل للفتاة وهم يتفرجون على ما حدث حالهم حال المتفرجين من عامة الناس ؟ لقد كان مدير شرطة بعشيقة وبكامل قوته العسكرية متواجداً في ساحة القتل لحظة القيام بهذه الوحشية، فلماذا لم يتدخل؟ أليس هذا وجه من أوجه التعاون في تنفيذ الجريمة؟ وأين يجب أن يتم توجيه اللوم والحساب عندما يحصل انتهاك لحقوق الإنسان في مثل هكذا مواقف وأمام (رجال الدولة)؟ أليست الدولة هي المعنية به؟ ومن هي الدولة، أليست عبارة عن مجموعة من الموظفين وقوات الجيش والشرطة والأمن وإلى ما غير ذلك لتنظيم حياة الناس ومسئولة عن أمنهم؟ وإذا يقول البعض منهم بأن الموضوع كان خارجاً عن سيطرتنا وإننا لم نرد التدخل في شأن عشائري أو ديني، فمن له الحق بالتدخل ومتى يجب أن يتدخل؟ ولماذا تحميل الإيزيديين هذا الوزر وتبرير عدم تدخل قوات الشرطة والأمن والبيشمركة؟ وإذا كانت قوات الجيش والشرطة غير معنية بمشاكل الناس، لماذا المداهمات والاعتقالات والسجون وكل هذا الهيكل الذي يكلف الدولة مئات الملايين من الدولارات يومياً؟ وباختصار شديد فإن قوات الأمن والشرطة والبيشمركة (أي الإدارة في بعشيقة والموصل)، بالإضافة إلى المجلس الروحاني هي الجهات التي يجب تحميلها المسئولية القانونية والأخلاقية لما لحق ب (134 يتيم و24 أرملة)، راحوا بجريرة هذا الموضوع.
وبما أن تداعياته تجاوزت حدود المعقول، فلا بأس من ذكر بعض المواقف الإيجابية التي قد نسي الكثيرين من التركيز عليها لشدة ما أريدَ به من إبراز للجانب السلبي فقط. ففي مدينة الموصل قامت العديد من العوائل من أهالي الموصل الكرام الأوفياء الأشراف بإخفاء طلاب الجامعة من الإيزيديين وخاصة البنات وألبسوهن الشارات في بيوتهم يوم 22/4/2007، وكذلك سواق السيارات الذين كانوا ينقلون العمال والموظفين الإيزيديين بعدما علموا بما تم التخطيط له في ذلك اليوم المشئوم، بتغيير مسار حركة سيرهم حفاظاً على أرواح العمال والطلاب، لما يحملون من عمق إنساني وتفكير بعيد، فلهم جميعاً منا كل التقدير والمحبة.
ولكن لنرجع إلى موضوعنا، يبدو أن ما حصل في الشيخان يوم 15/شباط/2007 من هجوم همجي، كان عبارة عن مزحة أو مداعبة كرفان. ولكن قد أسيء فهمه وتحولت إلى حالة زنا في ظرف ساعات وأعقبه هجوم كاسح وغزو مسلح على مجتمع ليس لغالبيته علم بما جرى في مركز قضاء وأمام أنظار الحكومة في ظرف ساعات وفي وضح النهار. ولم نرَ هذه المجموعات من الكتّاب المحترمين قد أخذتهم الحمية وفندوا أو استنكروا بعشر هذا الذي جرى من تغطية في موضوع دعاء. وفي تصوري فإن عدد الذين يعرفون أسم تلك المرآة المسلمة في الشيخان لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة، وإذا ما تصورنا بعد المسافة التي تفصل الشيخان عن بعشيقة لا يتجاوز 50 كم، والبعد الزمني فيما بين الحدثين لا يتعدى الشهرين. وفيما بين هذين البعدين تم طبخ وترتيب هذه الجريمة بطريقة مرسومة مثلما كانت في حادثة الشيخان بعدما لم تصل إلى غايتها في ذلك الوقت. فراح قسم من الكتّاب ليربط حادث قتل دعاء بالسابع من نيسان (يوم ميلاد حزب البعث)، والبعض الآخر ربط حرق مقرات الحزب الديمقراطي في سنجار بالثامن والعشرين من نيسان (ميلاد صدام حسين)، والبعض صنّف موضوع دعاء بالملاك النازل والطهارة والعفة ورمز العشق والحب، بينما يصف نفس البعض حادثة صعود (المراة المسلمة من الشيخان مع سائق إيزيدي، لا أحد يعرف حتى اسمها)، بحالة الزنا ووجب قتل ومحاسبة الجناة. لماذا هذه الازدواجية في التعامل؟ متناسين مأساة نساء وأطفال الشيخان والرعب الذي تملكهم، ومئات الطلاب والعوائل التي تنتظر أبناءها للعودة من مناطق العمل في كردستان لمساعدة عوائلهم في رفع بعض الهم المادي عن كاهلهم، بل وهجرة عشرات العوائل التي تركت بيوتها في الموصل لتعبث بها الخارجين عن القانون وما ترتب على كل هذا من شرخ نفسي بين الإيزيديين وبقية الشرائح من المجتمع العراقي الشهم ومنهم على وجه التحديد المجتمع الكردستاني.
ولكن لماذا حصل الذي حصل؟ وهل علينا ترك المجرمين الحقيقيين وتحميل المسئولية لمجموعة الشباب التي نفذت الجريمة؟ ولماذا لا نبحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك الحدث المروع؟ ولماذا يتم تبرئة تحسين بك والمجلس الروحاني من جهة وقوات الأمن والإدارة في بعشيقة والموصل من التهمة من الجهة الثانية؟ ومن تجاربنا مع الوقائع، إننا نرى بان فعل القانون والمحاسبة يقع دوماً على المنفذ للجريمة دون الأخذ بأسبابها ومعالجتها والمسبب الرئيسي يعمل بحرية دوماً في الخفاء. وأود أن أشير هنا إلى نقطة، لماذا كل هذا الاهتمام بهذا الموضوع في كردستان من دون كل العراق؟ وفي قراءة بسيطة لمقال السيد قيس القرداغي، الذي عبر عن أسفه لما حصل ولكنه قد أخطأ التقدير في بعض المواقف من غير عمد كما يبدو لي. فيقول بأن الفتاة كردية دون أن يأتي إلى ذكر إنها إيزيدية في عنوان مقالته، وأريد أصحح له بأن بعشيقة تقع على بعد 15 كم شمال شرق مدينة الموصل ويعد أهلها من خيرة مثقفي محافظة نينوى. والذين قاموا بهذا العمل هم مجموعة شباب إيزيديون وليسوا عرب يتكلمون اللغة العربية وإنما لغة أهل بعشيقة وبحزاني هي عربية بالأصل. وأن ناحية بعشيقة وبقية المناطق التي تقطنها الإيزيدية في محافظة نينوى هي مناطق حضرية وليست كهوف كما يدعي السيد الفاضل. ولكن مجموعة الشباب التي نفذت العملية كانت تحمل في نفسها آثار حادثة الشيخان عندما لم تتخذ القيادات الكردية الإجراءات السليمة بحق المتجاوزين على مقدسات الإيزيدية، ومن الجهة الأخرى فإن القيادات الإيزيدية وخاصة المجلس الروحاني وبالأخص تحسين بك وقوال سليمان وترددهم في حسم الموقف، كان السبب الرئيسي من وراء ما حدث، رغم أن تعريض حرمة مسكن السيد سليمان سفو كرجل دين إلى الاعتداء لأمر يدعو إلى الأسف. أما القول بأن المحاولات جارية لتصحيح المادة السابعة من دستور كردستان على خلفية هذه الواقعة وعلى حساب قتل الأبرياء فهذا شيء غير معقول، كما وأن هنالك مطالب بإقامة تمثال ل "دعاء" في كردستان وتسمية جميع الإناث ممن يلدن منذ 7/4 ولغاية الأربعين من قتل الفتاة، فهذا يعني الكثير الذي يجب عدم السكوت عنه، وفي تقديري فإن القيادات السياسية الكردية ستعي المخاطر المستقبلية لمثل هكذا أمر.
فلقد رأينا الكم الهائل من المقالات والقصص والتحليلات والتأويلات والتهم لهذه الفئة أو تلك، ولو تفحصها بدقة ، ترى بأن الجميع صب بجام غضبه على المثقفين ودورهم الضعيف في التوعية وما وصلت إليه الأمور، ولهم في ذلك كل الحق. ولكن نرد على جميع هؤلاء ونقول، هل يستطيع مثقف واحد أن يعقد ندوة ثقافية أو محاضرة أو ورشة عمل ما لم يكن له سند من حزب سياسي؟ وهل يستطيع هذا المثقف أن يجمع جمهور معين ويلقي فيهم محاضرة ثقافية ما لم يمدح هذا الحزب أو ذاك أو يخرج من الخط المرسوم مسبقاً؟ وكم هي عدد التقارير التي ستسبقه إلى مقر الحزب القائد قبل عودته إلى بيته إذا ما خرج من النهج المعين؟ هذا إذا لم تكن حياته ثمناً لذلك.
صحيح أن دور المثقف يجب أن يكون بارزاً ولكن على الدولة في نفس الوقت أن تدعمه وتحافظ عليه كثروة من ثروات البلد وترجع إليه في وقت الحاجة والأزمات والاستئناس برأيه لكي يشعر برعايته وأهمية دوره في المجتمع. لذلك نقول هل هناك اختلاف في مسالة رجم الفتاة بالحجارة أو رجم المجتمع الإيزيدي بجميع مكوناته بجريرة ما حصل بهذا الكم الهائل من التشهير على وسائل الإعلام وتشويه السمعة؟ ومن سبق الإيزيدية إلى استنكار الجريمة؟ أم رأوا في هذه المادة الدسمة أن يطوروا برامجهم إثر صدور تقرير وزارة حقوق الإنسان في كردستان والذي أشار إلى مقتل أكثر من 500 امرأة في كردستان خلال عام 2006 غسلاً للعار لكي يعدلوا المادة السابعة لدستور كردستان والخاصة بحقوق المرأة. إننا نرى بأن في هذا إجحاف وغبن كبيرين بحق المجتمع الإيزيدي وخاصةً لما لحق من أذى بأكثر من 900 طالب في جامعة الموصل، والعوائل التي كانت تنتظر أبنائها للعودة بما يسد الحاجة والعوز، لأنه هنالك المئات من العوائل التي لا تملك ثمن كيس الطحين في الوقت الذي لم ترد المواد التموينية إلى سنجار منذ أكثر من ستة أشهر ولم تكلف جهة سياسية نفسها في حل هذه المشكلة.
إننا وبعد مراجعة دقيقة للأوضاع نرى بأن إدارة الحكومة في محافظة نينوى وناحية بعشيقة بكافة تشكيلاتها الحزبية والإدارية والمجلس الروحاني وفي مقدمتهم الأمير تحسين بك وسليمان سفو يتحملون المسئولية التاريخية والأخلاقية والإدارية لهذا الشرخ الكبير والذي أعطى المبرر لقتل دعاء بهذه الطريقة المشينة والأبرياء الستة والعشرين في الموصل بعدما أعطوا المبرر لهؤلاء المتهورين بتأخير وضع الحلول الواقعية للمسألة، إضافة إلى تهجير العوائل والضرر المادي والمعنوي الذي لحق بالطلاب والعمال وأصحاب المصالح من جميع فئات المجتمع. خاصة إذا ما عرفنا بأنه لم يحصل قبل هذه الحادثة الأليمة أي ضرر بحق الإيزيدية في مدينة الموصل وإنما الفتنة والتأجيج الذي أحدثته جهات لها هدف سياسي هي التي راجت له وبهذا المستوى من التخطيط.
لذلك، فالواضح من الأمر إنه في حالة عدم محاسبة المجرمين المسئولين من جميع ما حصل ابتداءً من جريمة 15/شباط مروراً بمقتل دعاء وانتهاءً بطرد العمال والكَسَبة وما لحقها من مضاعفات، فإن الأمر سيكون له مضاعفات خطيرة يدفع ثمنها الجميع. ولجميع من نطق بالحق لتهدئة المواقف وتصحيح ما قيل وما كتب بشكل مغرض لتأجيج المشاعر كل المحبة والعرفان. ومن الله التوفيق.

علي سيدو رشو/ رئيس رابطة المثقفين الإيزيديين في العراق.
ناشط في مجال حقوق الإنسان.
سنجار في 11/5/2007

0 التعليقات: