اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


لقد كتبنا في مقال سابق بعض الرؤى حول تصورنا المستقبلي للوضع الجيوسياسي الايزيدي، وهذا حق شرعي لنا لكي نفحص ما نحن فيه من ظرف وما يجتاح العراق من رياح متعددة الاتجاهات والسياسات المختلفة وغياب موقعنا ودورنا من هذا الذي يجري. عليه، ولكي نضع بعض النقاط على الحروف وإفهام الرأي العام والإيزيدي منه بوجه خاص، نرى بأن الانتخابات التي جرت مؤخراً كانت حبلى بهذه الاحداث حيث إنها جاءت بنتائج مخيبة لآمال معظم القوى السياسية. وقد كتب العديد من الكتّاب والخيّرين والسياسيين واصحاب الضمير الحي حول الموضوع واغنوه بالكثير من التحليلات والتكهنات والاستنتاجات، وحتى رؤساء الوحدات الادارية في تلك المناطق ادانوا العملية وشجعوا الاهالي على التظاهر والاحتجاج. وقد استغربت المفوضية العليا لما حصل وفي مناطق محددة تشمل الغالبية العظمى من الفئات الدينية والقومية التي تشكل النسيج الاجتماعي الحقيقي وخاصة محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين.
إذن ما هو هذا الذي حصل؟ ومن كان وراء هذا الحدث؟ وهل يعقل بأنه حصل نتيجة سهو؟ ولماذا في مناطق محددة بالذات؟ ولنفترض بحسن نية إنه كان سهواً من الإدارة والمفوضية، فإنه بكل تأكيد ستترتب عليه آثار مدمرة لمستقبل بعض القوى السياسية. وبما إنه هنالك صراع سياسي على السلطة وترغب بعض تلك القوى استغلال الوضع واستثمار نفوذها للسيطرة على مستقبل المنطقة، فمن المنطق أنه لا يخلو الموضوع من تدخل على مستوى عالي من التخطيط لرسم سياسة المنطقة المستقبلية. وبكل صراحة نقول بأن الاحزاب الكردية لها مثل هذه المصلحة أكثر من غيرها مما يجعل ان تحوم الشكوك حولها في مثل هذا الظرف للأسباب التالية:
أولاً: لقد ذكرنا فيما سبق بأن مناطق سكنى الإيزيدية والشبك والكلدوآشور في أقضية الشيخان والحمدانية وتلكيف والنواحي التابعة لها هي الحدود الآمنة لكردستان المستقبل أمام الرفض العربي لهذه الفكرة فيما إذا حصل خطأ مستقبلي لا سامح الله. وأن هذا الخطأ وارد في الحسابات السياسية المستقبلية ولكن ليس على شكل نزاع مسلح، وذلك لجسامة الكره الحاصل فيما بين العرب والأكراد كمجتمعات وخاصة بعد سقوط النظام. وقد ينتقدنا البعض ويقول، ما هذه السوداوية في التكهن؟ ونرد بكل معرفة دقيقة بدقائق الحديث فيما بين ابناء الجهتين وهي اصبحت من الحقائق التي يجب عدم غض الطرف عنها لانها فعلاً قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه وعندها لا يفيد الندم. وبما أنه قد يحمل المستقبل هذا الجنين الذي أصبح يقيناً بأنه ستلد عنه دولة كردية ومن ثم المطالبة بجزء من الموصل وكامل كركوك، فإن الاصطدام واقع بالضرورة ولا يشترط هنا الاصطدام المسلح. وفي الحسابات السياسية للاحزاب الكردية، فإن هذا العمق الاستراتيجي لها هو من الأولويات التي يجب أن تفكر به جدياً مستغلّةً الفراغ السياسي الذي تعاني منه هذه المناطق. لذلك نرى بأن الذي حصل قد يكون بتخطيط منها لكي ترسل رسالة إلى أهالي هذه المناطق على ان أجهزة الدولة قد أغفلتهم وأنها (أي الأحزاب الكردية) هي الراعية لحقوق هذه الفئات، وانها سوف تمني عليهم ببعض المناصب الإدارية ومن كوادرها الحزبية وعلى حساب استقلاليتهم وخصوصيتهم وبذلك تكون قد حققت عدد من المكاسب في آن معاً.
لقد جرت (الانتخابات) وطافت شوارع بعشيقة وسنجار بالمتظاهرين احتجاجاً على ما حصل ولكن لماذا يتم تنزيل العلم العراقي من فوق البنايات الحكومية لمجرد خطأ لازال غير محدد المعالم؟ وهل يعقل بأنه كلما يحصل من أمر تتسارع الاحزاب الكردية بتنزيل العلم العراقي من على الاسطح والبنايات الحكومية احتجاجاً على الموقف؟ ألا يعني هذا بأن هناك تعليمات من القيادات العليا لهذه التصرفات وتريد تحميل الآخرين ما أقترفته من أخطاء متعمدة؟ ثم ألم تكن بعشيقة وسنجار ضمن محافظة نينوى لكي يتم بهذه السرعة رفع علم كردستان على البنايات الحكومية الفيدرالية وفقط في مناطق الإيزيدية؟ أليست هذه التصرفات هي إيحاءات إلى السيطرة شيئاً فشيئاً على عموم محافظة نينوى؟ وفي الأخيرلم تكن أكثر من ذر الرماد في عيون أهالي المنطقة وبادرة للتوسع بالمد القومي الكردي في سهل نينوى على الأقل. لذلك نقول، هل قامت حكومة البعث بتعريب ناحية بعشيقة على الاقل لكي تقوم الاحزاب الكردية بتكريد الجانب الايسر من محافظة نينوى بكامله أرضاً وشعباً؟ ثم هل يختلف هذا التكريد عن ذلك التعريب؟ أليست تعني العملية برمتها التغيير الديموغرافي السكاني؟ ثم هل يختلف المد القومي الكردي عن المد القومي العربي؟ وهل تم استفتاء في المنطقة لكي يتم كل هذا؟ ثم لماذا لا يتم على أساس هذا التدخل البناء والاعمار وتقديم الخدمات؟ وما هومصير قرية دوشفان التي انتزعت من أهاليها الإيزيديين وتم إسكانها من قبل المسلمين الاكراد؟ وهل يجوز منح املاك قرية لذوي شخص استشهد في نزاع اقليمي؟ وهل سيتم إسكان وتسليم القرية التي استشهد فيها محمود إيزيدي إلى أقربائه أسوة بعدالة دوشفان؟ وهل تختلف هذه الهبة والمنحة عن مكارم صدام حسين السخية؟ ثم بماذا يختلف اسكان ناس غرباء عن أهل القرية سواء كانوا عرب أو أكراد؟ أليس هذا هو التغيير الديموغرافي؟ كلها أسئلة بحاجة إلى إيجاد أجوبة لكي تحصل القناعات على الارض. ولكن الخوف والرعب من قوات الأمن وبنفس تصرفات النظام السابق والاعتقالات هي السبب الاساس في سكوت الناس عنها.
ثانياً: إن الوضع في سنجار هو أعقد من غيرها من المناطق الإيزيدية في حسابات الاحزاب الكردية، حيث أن هنالك عوامل أشرنا إليها في مقالنا السابق، منها على سبيل المثال البعد الجغرافي والحاجز المائي الطبيعي والتركيبة السكانية المختلطة من العرب والمسلمين الاكراد والإيزيديين والتركمان ومن ثم عائدية القرى والمناطق العربية فيما بعد عملية التكريد. ولكن في حسابات الاحزاب الكردية فإن سنجار هي امتداد لأكراد سوريا في محافظة حلب ومنطقة قامشلي بالذات التي قامت مؤخراً بالمظاهرات ضد الحكومة السورية مطالبةً بحقوقها أسوة بأكراد العراق. أي أن منطقة سنجار سوف تكون معبراً وعمقاً استراتيجياً فيما بين الأكراد في كل من سوريا والعراق، وبذلك سيسهل التواصل والعمل فيما بينهما لترتيب المد القومي الكردي إلى سوريا ومن ثم تكوين نقطة ارتكاز لعملها في تركيا. إننا عندما نشرح الوضع بهكذا رؤوية ، ليست لنا اعتراض على نضال الشعب الكردي في تحقيق طموحاته المستقبلية بإنشاء الدولة التي يتمناها. ولكن على المجتمع الإيزيدي أن يفهم اللعبة ولا يتعامل مع الوضع بدافع العاطفة القومية على حساب مستقبل الأجيال ويجب أن يتم التشاور مع العشائر العربية في المنطقة ومن ثم طلب الضمانات لكل تسهيل تقدمه للأحزاب الكردية لكي لا تقع في خطأ قد لا يمكن علاجه فيما بعد. ومن المفروض أيضاً أن يحترم رأي المجتمع الإيزيدي بهذا، لأن الاحزاب الكردية هي التي عانت من التنصل من بعض ما وعدته بها أحزاب المعارضة التي كانت تجتمع في مؤتمري لندن وصلاح الدين قبل سقوط النظام. لذلك فإن طلب الضمانات في الإتفاقيات السياسية يعتبر من الحقوق المشروعة لأية جهة مع الجهة الاخرى لضمان مستقبلها عملاً بالمثل القائل ( الذي أوله شرط آخره نور). أما وقد تغتر القيادات الكردية على نفس طريقة وغرور صدام حسين حينما طالب بالكويت على أنها جزء يجب أن يتبع الكل وبدأت منها الكارثة على الشعب العراقي (عدا كردستان)، وهذا وارد جداً ومن الضروري أخذ عبر التاريخ في الاعتبار وخاصة القريبة منها. ولكن هذا المد القومي الكردي مستغلاً الظرف السياسي والأمني سوف يصطدم بالواقع عندما تتفرغ الناس لحياتها وسوف تعيد النظر فيما حصل، لإنه لايعقل أن يحصل تجاوز بهذا الحجم وتمريره بدون أن يكون هناك رد فعل.
ثالثاً: العامل الآخر والمهم هو موقف دول الجوار من التطور ات الجديدة ومطالبة الأكراد بكركوك والجزء الشرقي من محافظة نينوى بكامل إدارتها وخاصة تركيا التي تعارض أي تغيير ديموغرافي في منطقة كركوك بالذات. وأنه سيكون للموقف السياسي على ضوء ما تفرزه نتائج الانتخابات وطبيعة التحالفات السياسية فيما بين التركيبة السكانية والقومية منها بالدرجة الأساس، تأثير بالغ على الخارطة السياسية في المنطقة. فإذا ما حدث هذا التطور، وهو حاصل بالضرورة، فإن هذه الدول سيكون لها شأن آخر تجاه الموقف، وإذا ما عرفنا بأن هذه الدول هي من الدول التي تجاور الأكراد من جميع الجهات وفي نفس الوقت تكن لها البغض والكره. فإن ذلك قد يؤدي بها إلى غلق حدودها مع الأكراد من كافة مناطق العبور إلى كردستان العراق. وبذلك سيحصل لها نفس ما وقع فيه العراق إبان حرب الخليج الثانية عندما أصبحت جميع دول الجوار ترفض التعامل مع الحكومة العراقية آنذاك، ولكن سيكون الأمر بوضع مختلف نحو الأسوأ وخاصة إذا ما كانت طبيعة الانفصال رغماً عن الحكومة العراقية الفيدرالية.

علي سيدو رشو / رئيس رابطة المثقفين الإيزيديين في العراق
الموصل في 20 / 2 / 2005
rashoali@yahoo.com

0 التعليقات: