اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


مقدمة:
من وقائع التاريخ وتجارب الشعوب والمجتمعات الحية في العالم، ثبت بان البقاء على حيويتها مرتهن بالحفاظ على أمنها القومي. حيث أن لكل فرد ولكل عائلة وكذلك لكل مجتمع ومن ثم لكل شعب هنالك أمن قومي، وأن بقاؤه على حيويته، محكوم بالحفاظ عليه. ولكي يكون كلامي واضحاً ولا يفهمه البعض فيما أعني بالقومية من الناحية الفنية. فإنني أعني الأمن القومي وما هي ضروراته؟ وكيف يمكن المحافظة عليه من الانهيار؟ في الوقت الذي يهمني ما قد يقال في هذا الشأن مهما كان حكم المتحدث فيه. فالأمن القومي لأية مجموعة بشرية أو مجتمع أو شعب يحدده عاملان رئيسيان وهما؛ الموقع الجغرافي والعمق التاريخي (#) الذي يبنيه أبناؤه على تلك الرقعة الجغرافية عبر المراحل الزمنية المختلفة من حيث التنمية والبناء وما يجابههما من التحديات والحروب والأزمات، وما يرافقهما من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والمصالح والصراع ضد خطر محقق.
وهنا، لا بأس من أن نعرج على الفكرة الاساسية التي تقودنا إلى ما نحن ذاهبون إليه. فالأمن القومي هو حصيلة تفاعل هذه العوامل والمداخلات وكيفية الحفاظ على توازنها بحيث تحقق المسار الذي يبقي عليها من التلاشي والذوبان في بعضها ومن ثم ذوبان هذا البعض في الآخر. فلا هو من صنع أشخاص، ولا هو مرتبط بوجود قيادة معينة في ظرف تاريخي معين، بقدر ما يصنعه المجتمع المؤمن ببقائه حياً على مر الزمن من خلال ما يضيف إلى تاريخه من بناء ومجد، على الرغم من أهمية دور الرواد فيه. ولا يمكن لأي شخص أن يناضل من أجل قضية لا يعلم عنها الشي الأساسي. فيمكن أن يدافع عنها بحكم الظروف التي تمليها عليه واقعه أو مصلحته الذاتية، ولكن لا يمكنه أن يناضل من أجلها، مالم يعلم بانه على يقين من أنه على حق. فهناك فرق كبير بين الدفاع عن حالة معينة مرتبطة بمصلحة مرحلية، وبين النضال من أجل قضية لحد الاستشهاد. ولكون الأمن القومي ملك مشاع لكل المعنيين ومن الواجب الدفاع عنه، بل والاستشهاد من أجله، فلا بد من أن تكون ملامحه وأهدافه واضحة للجميع لكي تترسخ فكرة النضال من أجله، ومن ثم الدفاع عن المكاسب التي تم تحقيقها وصون كرامة الذين ضحوا من أجل الحفاظ على تلك المكاسب.
لقد كتب الكثيرين على صفحات الجرائد والصحف الالكترونية وعبر الإعلام المرئي، وارسلوا رسائل مفتوحة إلى المرجعيات الاساسية، منها الدينية ومنها السياسية مستوضحين فيها خطورة التلاعب بمقدرات المجتمعات التي لها الحق مثل غيرها ليس على مبدأ الأقلية والأكثرية، وإنما على اساس الاستحقاق الوطني والانساني. كونها قد دافعت عن كرامة أوطانها كما فعلها الآخرين على طول الخط، وما أكثر تلك الرسائل في زمن النظام السابق من دون أن يعي بخطورة اللعب بمقدرات المجتمعات والشعوب. ولكن وبكل أسف نقول، راحت وتروح جميع تلك الجهود والمحاولات أدراج الرياح، ولم تأخذ أية جهة تلك الرسائل على محمل الجد ولحد الآن، وكأن الزمن يعيد نفسه ولكن بشخصيات تختلف في المكانة والوجوه فقط. بل لم يعد يجدي الحديث فيه نفعاً. وسيأتي اليوم الذي يعض فيه المسئولين الحاليين أصابعهم ندماً على ما فعلوه ويفعلون بحق هذه الشرائح المغبونة في إنسانيتها، كما حصل في زمن ليس ببعيد، ويكونوا قد جنوا على انفسهم قبل غيرهم.
كذلك كتب الكثيرين حول التشاؤم والتفاؤل، وعن الغبن والتهميش ومصادرة الرأي وهضم الحقوق في وضح النهار، ولكن في هذه المرة تحت غطاء الديمقراطية، وما أثقل من أن تضيع الحقوق تحت مسميات لا تستحق أن توصف بهكذا وصف. ولو كان قد تم تجميعها، لكانت كافية لعمل مجلدات من دون أي أكتراث بما جاء به كل ذلك الكم من الأفكار والمطاليب التي تستحق كل التقدير والإعجاب. وبمراجعة بسيطة لتلك النداءات وإجراء مسح متواضع لما جاء فيها من أفكار، وما عبرت عن الغبن الذي لحق بشرائح أساسية ساهمت قبل غيرها في الحفاظ على أمن البلد؛ لم نجد ولو استجابة واحدة من المسئولين تستحق الذكر لكي نفخر بها ونعتبرها مثابة نقتدي بها. فالحقوق الاساسية هي ليست مٍنة من أحد، وكأننا نعيش من جديد في غابة وتحت اسم الديمقراطية تغتصب الحقوق وتنتهك الحرمات ويسرق المستقبل يوما بعد آخر في ظل وضع سياسي واجتماعي محتقن حد (الخياس).
وهنا أريد القول بأن العويل على تعليق كل الاسقام على النظام السابق وتناسي ما تفعله القوى السياسية الحالية لما أوصلت إليه مصير الشعب العراقي ومنها ما يتعلق بمصير ومستقبل، وبالتالي الامن القومي للأقليات ومنها الإيزيدية، لم يجدِ نفعاً وسوف لن يمر الأمر بهذه السهولة، وسيأتي اليوم الذي يندم فيه العابثين بأمن المجتمعات على فعلتهم. فالنعامة تضع رأسها في التراب ضناً منها بأن الاخرين لا يرونها، ولكنها على وهم كبير. فهم على وهم كبير فعلاً، وقد لا يعرفون بأنهم هم أنفسهم يصنعون من المقابل مطالباً عنيداً لحقوقه المسلوبة، فلا يعقل أن يبقى أكثر من نصف مليون انسان له خصوصية معينة وساهم بما مطلوب منه أن يبقى بدون رأي أو عايش على هامش الحياة، أو لا يقبل به سرباً ليطير معه ويغني على الحانه.
التداعي النفسي:
فمن اللافت، أن الوضع وصل بالمجتمع الإيزيدي وكأنه قد فقد الأمل في أن يكون له صوت أو أن يصنع لنفسه تاريخ يليق بما قدمه من تضحيات عبر التاريخ. حيث قدم ما يعجز عنه اللسان في الوصف، ولكن بكل بساطة يقول؛ بأننا ليس لنا حول ولا قوة. في الوقت الذي يمتلك من الامكانيات العظيمة التي قلما يرتقيها مجتمع فيما لو تم التعامل معها بما يجعله يشعر بأنه عليه أن يناضل من أجل قضيته وهو حماية أمنه القومي من التدهور والتلاشي. إذن ماذا حصل لكي يصل به الحال إلى هذا الوضع؟ ومن الذي يقف وراء كل هذا التداعي في الوضع الإيزيدي؟
أرى بأن التاريخ سيصب لعنته على الجميع بدون استثناء (مع الاعتذار لهذا اللفظ تجاه مقام رجال الدين)، بدءً بالأمير والمجلس الروحاني وشيوخ العشائر والمثقفين والمرأة ومنظمات المجتمع المدني والفلاحين والرعاة، لما أوصلوا الحال بالمجتمع إلى الوضع الذي بدءنا فيه نصف أنفسنا بالخضوع والخنوع والاستسلام للقدر. وهي المرحلة التي تصل بالمجتمعات إلى نقطة اللاعودة إلى الحياة عندما تفقد الأمل في قياداتها ومثقفيها وهم يعملون ليل نهار لمن هم في الخندق المخالف لنهضتها. في حين توفرت فرص عظيمة كان من الممكن استثمارها لبناء الشخصية الإيزيدية المستقلة ومن ثم التعامل مع الآخرين من خلال تلك الشخصية. ولكن القدر الأكبر من تلك اللعنة سيلاحق مثقفينا وسياسيينا في المهجر لأنه كان بامكانهم تأسيس قاعدة إنطلاق والانخراط فيما كانت تسمى بالمعارضة. بينما لم يكن بمقدور من هم موجودون على أرض الوطن من القيام باي عمل يمكنه أن يكون اساس لما يبني عليه، ولكن على راي المثل الامريكي Never say late to start.
جغرافية الإيزيديين وعلاقات الجيرة:
بما أننا نتكلم عن الأمن القومي، وأن الجغرافيا هي أحدى أهم أركان هذا الأمن، كما سبق. فإنه من الطبيعي أن يكون لنا كلام مع مَن هم مِن حولنا ولنا معهم مشتركات وعلاقات جيرة على مختلف الأصعدة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وما تم بناؤه منذ فترة ليست بالقليلة. وهنا أعني القبائل العربية التي لنا معها شراكة في الارض والعلاقات الاجتماعية الممتدة عبر مئات السنين، رغم ما تضمنتها من خلافات ومناوشات على حدود الأراضي الزراعية أو بعض الغزوات البسيطة من هذا الطرف أو ذاك، وما خلقتها الدولة من شروخ فيما بيننا في فترة زمنية معينة. ولكن مع كل ذلك ظلت العلاقات الاجتماعية محافظة على الاحترام المتبادل والزيارات وتبادل الرأي فيما يخص الأمن الاجتماعي لكلا الطرفين، وتوجت كل تلك الجهود في الفترة الأخيرة بإعلان الاتفاق على طي صفحة الماضي والبدء من جديد، لكون الجميع بحاجة لبعضها البعض بسبب التخالط الذي فرضه الواقع بعد معاناة الحروب والازمات التي مروا بها جميعاً، وخاصة بعد انتهاء الحرب العراقية-الايرانية ومشاركة جميع فئات الشعب بما فيها الاقليات بتلك الحرب بدون تمييز في الدفاع عن أمن الوطن. ومن الممكن جدا أن يؤيد الإيزيديين السياسية الكردية في المنطقة، وفي نفس الوقت المحافظة على علاقات الجيرة مع العشائر العربية بحكم المواطنة والشراكة في الحدود الجغرافية. ولا يبرر تأييد الإيزيديين للسياسة الكردية بالمطلق أن يصل الأمر لحد العداوة والقطيعة مع الجيران بسبب ما حدث، لأن الذي حصل لا يعني بالضرورة بأن العشائر العربية موافقون عليه؛ بدليل الاستهجان والاستنكار من أعلى المرجعيات العشائرية والدينية والسياسية. أي أنه يجب الإبقاء على العلاقات الاستراتيجية التي يتأثر بها الامن القومي الإيزيدي على المدى البعيد مهما حصل من أطراف تريد لتلك العلاقات أن تتدهور. وحتى في حالة انضمام المناطق الإيزيدية إلى كردستان، بل حتى لو حصل انفصال كردستان عن العراق؛ من الضروري الحفاظ على علاقات الجيرة من ان تمر بشكل سلمي لأننا مقبلون على بناء دولة حضارية مؤسساتية، مستقرة وآمنة (على ذمة الاحزاب السياسية الغير متفقة على أي مستوى). وعلى الإيزيديين أن يفتحوا علاقاتهم على أكثر من جبهة في جميع الاوقات تحسباً للمستقبل غير المضمون. بل عليهم الابقاء على سنجار تابعة للحكومة المركزية باي ثمن لتبقى عمقاً جغرافياً لبقية الإيزيديين في كل من الشيخان وبعشيقة ضماناً للبقية في ظل هذه الأوضاع المرتبكة سياسياً.
نبذة عن الماضي:
في سبعينات القرن الماضي وبالتحديد في فترة بيان آذار للحكم الذاتي، هتف الإيزيديون بكل شجاعة، والتأييد ببراءة للحركة الكردية. وبناءً على ذلك جاء رد فعل الدولة سريعاً بتجميع الإيزيديين في مجمعات قسرية للسيطرة عليهم من هكذا حسابات، وأستباحت الاراضي الزراعية التي تعد من عماد الحياة والاستقرار الإيزيدي، في بعض المناطق وخاصة في قضاء الشيخان، إلى قبائل عربية. ودفع الإيزيديون ما هو معروف للجميع من مآسي في ظروف قاسية وكان الشتاء على الأبواب ولم تنفع كل النداءات بالتوقف عن ذلك. وفي مقابلتنا مع السيد جلال الطالباني في 20/نيسان/2004، ذكرّناه بما جرى وأثنى على تحمّلهم لتلك المأساة (ولكن ....مع الأسف لم يفِ بكلمة مما تعهد لنا به). وقد يقول قائل، ما هذا التناقض في الكلام يا سيد علي، فتارة تقول بأننا يجب أن نحافظ على علاقاتنا ومن ثم تعود وتقول بأنه تم الاستيلاء على الاراضي الزراعية للإيزيديين. نعم هذا صحيح، ولكن سياسية الدولة كانت وراء ذلك، وهي حصلت في كركوك والموصل وبغداد والرمادي والبصرة، ولكنها تحصل الآن أيضاً وتحت غطاء شرعي بحجة أن النظام السابق كان يفعلها. وبما أنها كانت مستهجنة آنذاك؛ فمن الأولى أن لا تحصل الآن، إلا بعد التأكد من صحة الأمر ومن السجلات المدنية فقط. وبالمناسبة فإن أراضي عشيرة القيران في سنجار التي منحت لعشيرة الصديد كانت في زمن عبد السلام عارف، أي أن سياسة الدولة كانت ضد استقرار الإيزيديين منذ زمن بعيد.
فعندما تقرأ تاريخ المجتمع الإيزيدي، تراه مجتمع منشغل في مهنة الزراعة منذ أن خلق، بالإضافة إلى كونه أمينا على طول الخط في الدفاع عن تربة وطنه بكل إخلاص واينما تطلب الامر ذلك. وهو بذلك يستحق من الدولة أن تبني له المشاريع الزراعية وبعض المنشآت التي توفر له الحياة الكريمة والاستقرار الاجتماعي لكي ينخرط في التعليم ودوائر الدولة ويبني حياته المدنية المستقرة بأمان. ولكن بدلاً من ذلك كانت برامج الدولة تصب في جعل هذه الشريحة الاجتماعية تغرق في مشاكل عدم الاستقرار بحيث يهاجر في السنة مرتين وهو بذلك لم يرَ ولم يذق طعم الاستقرار في حياته مما انعكس سلباً على التعليم بشكل أساسي، ناهيك عن التلويح بالتهديد باستبعاده عن المنطقة الاصلية التي بنى عليها بعض من تاريخه. فنجد بأنه ليس للإيزيدي تاريخاً مكتوباً بسبب ذلك الوضع الشاذ الذي خلقته الحكومات المتعاقبة بحيث يكون دوماً على الرحيل بناءً على نزوة موظف قد لا يمت إلى الضمير الانساني بصلة. ولقد حصل هذا الأمر في كافة مناطق الإيزيدية بدون استثناء (بما فيها الدول المجاورة للعراق ايضا)، ولم يكن هذا فقط في زمن النظام السابق، وإنما على مر التاريخ العراقي الحديث ولا زال لحد الآن ولكن بشكل (أكثر حضاري) وأدق خطورة وأكثر (شفافية)، على مستقبل المجتمع الإيزيدي.
ولكي نعود إلى اساس موضوعنا، وهو الأمن القومي الإيزيدي عبر التاريخ، وهو بالطبع ليس محدداً بفترة زمنية معينة، لابد من ذكر ما حصل من تصرف مشين بحقنا من الطرف الآخر وما حصل في فترة الحكم العثماني للعراق، والتي تعد من أسوأ الفترات في تاريخ المجتمع الإيزيدي وأكثرها إجحافاً. ولا ننسَ بأن غالبية حملات الإبادة التي جرت على الإيزيديين كانت في تلك الفترة، ولكن يجب أن لا ننسَ أيضاً بأن قيادات ورجال الدين من الاكراد كانت لها اليد الطولى في تلك الحملات لما كانت تصدر من فتاوى دينية تلهب الحماس لدى المتطرفين وتوفر لهم الأرضية الخصبة وتفتح شهيتهم لصب جام غضبهم على هذه الفئة المغلوبة على أمرها والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى ولا حاجة لذكرها، وهكذا الفرس أيضاً.
أما ماذا حصل بعد سقوط النظام؟ وماذا يحصل الآن من انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان تحت أسم الديمقراطية؟ فالذي يحصل الآن بحق الأقليات العرقية والدينية والإيزيديين منهم بالدرجة الاساس، يعد بالإبادة الجماعية بعينها لما يحصل من طمس الهوية والخصوصية التي يجب أن تتمتع بها تلك الأقليات على ضوء البند 27 والخاص بحقوق الأقليات من الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية. فالهيمنة السياسية وإبتلاع القوي للضعيف هو هو، ولم يتغير الأمر سوى في الوجوه، وأن جميع الادارات الحالية تدير الشئون السياسية والادارية من تلك المقرات التي كان يستخدمها النظام السابق وينتهك منها الحقوق الاساسية للإنسان، وتنتهك الأعراض في هذا اليوم من نفس المقرات الأمنية في وضح النهار، بل أن المتنفذين آنذاك، هم نفسهم الآن في المقدمة. فأين الغلط من الصح؟ ولكن في كل مرحلة يأتي الظرف الدولي لصالح مجموعة من الاشخاص أو الاحزاب لتنفذ ما مطلوب بأسلوب أكثر تطوراً وتتفنن في ابتزاز الآخرين بطريقة أكثر فنية، وتستخدم مصطلح الديمقراطية كشعار للتغطية على ما تقوم به من جرائم بحق غيرها. ثم لنأتِ ونقول، مَن مِن تلك القوى أفلحت في الأخير من دون أن تدفع ثمن أخطائها غالياً؟ والجواب أن جميعهم دفعوا الثمن غالياً، وبدلا من أن يعملوا على ربط خيوط المجتمع ببعضها وتنمية شعوبهم، بدْأوا يفككونها وبالتالي يدفعون الثمن غالياً من جيوبهم. والنتيجة هي كما حصل في 9/4/2003. ويقيناً فإن الاحزاب الحالية ستدفع نفس الثمن إذا لم تعمل على تقوية أمنها القومي بالحفاظ على تماسك شعوبها بدلا من التلاعب بخصوصيتها.
فالإيزيديين اليوم منتشرون في ارجاء المعمورة، وبالرغم من ذلك فإن مشاكلهم وهمومهم ومعاناتهم واحدة ومتشابهة ولها مشتركات رغم البون الشاسع في الجغرافيا وثقافة المجتمعات والشعوب التي تعيش الإيزيدية في كنفها، كالعرب والأكراد والترك والفرس والمجتمعات الغربية على اختلاف مشاربها. تراهم يعملون في المهن التي هجرها الآخرون لما تتسم بالجهد والعنف كالزراعة والمناجم والاعمال البلدية، وليس في هذا عيباً ولا خجلاً، ولكن عليهم أن يغيرو من مستوى تفكيرهم والبحث عن اسباب الاستقرار لكي ينهلوا من الحياة نصيبهم واستحقاقاتهم. فبناء الشخصية الإيزيدية والحفاظ على خصوصيتها وحماية أمنها الاجتماعي بالتعاون مع شركاء المصير ومنعها من الاستمرار في التداعي بهذا السلوك السلبي وتأمين الامن الغذائي والصحي والتعليمي وما يتعلق بالمصالح العليا التي تحافظ على كيانه من التلاشي وخاصة هجرة الكفاءات بعد كارثة القحطانية والجزيرة في 14/8/2007، وحماية التراث الأصيل، هي من الأمور الاساسية التي يجب التأكيد عليها ولا مساومة فيها ولا عليها.
فلنرَ ماذا يحصل في سوريا مثلا: هناك أكثر من نصف عدد الإيزيديين وخاصة في منطقة عفرين مسجلين في سجلات الاحوال المدنية تحت حقل الدين بأنهم مسلمين، ولم نرَ لحد الآن جهد من القيادة الإيزيدية في المطالبة بهذا الحق المنتهك دستوريا. فهل يجب السكوت عن مثل هذه الفجوات العميقة والتي من صلب الامن القومي الإيزيدي؟ أليس حرياً بالقيادة الإيزيدية أن تحصي الخارجين عن الدين وتدرس الأسباب التي تشجع من تلك الظاهرة والتي تهز الكيان الإيزيدي في أساسه كما حصل في سنجار عام 2002 عند مقتل كمال كتي؟ ألا يعني هذا التدهور في التعليم وهجرة الكفاءات بهذا الكم، كارثة على مستقبل الأمن القومي الإيزيدي؟ لماذا ازدادت الهجرة في عام 2007؟ أما الحديث عن النواحي التكتيكية التي من شأنها المحافظة على استمرارية العلاقات مع الآخرين، فيجب ان تمتاز بالمرونه والقابلية على التغيير على ضوء ما يتطلبه الأمن القومي للحفاظ على المكتسبات الاساسية على أرض الواقع، مع ترك هامش للمراجعة والمناورة في حال حصول أمر معين يتطلب تغيير تكتيكي لموقف طاريء.
الواقع الإيزيدي:
المجتمع الإيزيدي محدد ببعض القيود الدينية والأعراف الاجتماعية، وهو ليس الوحيد في هذا الشأن. فلو نأتِ إلى حقيقة الأمر، ليس الإيزيديون هم الوحيدين المقيدين بتلك المحددات، ولكن يصبح الأمر أكثر وضوحاً في مجتمعات صغيرة مثلهم ويتم التركيز عليهم من قبل الآخرين سواء من ناحية استمالتها لتحقيق بعض المكاسب السياسية أو لتحقيق بعض الأغراض (الدينية). فمثلاً رأينا محاولات جميع الأحزاب السياسية للإستفادة من عدد أصوات الإيزيديين في الانتخابات التي جرت في العراق ليكونوا عوناً لهم، لعلمهم بأن الإيزيديين لا يشكلون ثقلا عليهم في المطالب والمكاسب السياسية، ويشكلون في الوقت نفسه عمقاً جغرافيا وسياسياً وبشريا كبيرا كما هو الحال في سرقة 110000 صوت لقائمة التحالف الكردستاني بدون مقابل. أي ان تلك الأحزاب ستستفيد منهم على ضوء ما ذكر، ولكن من غير أن يكون لهم فيه ما يجب أن يحصلوا عليه، وتكمن الخطورة في عدم فهم هذه النقطة بالذات. فلقد رأينا تهافت مختلف فئات الشعب العراقي في فترة ما بعد السقوط لإثبات ذاتها من خلال الواقع السياسي سواء بتشكيل أحزاب سياسية أو بالتعاون مع أحزاب لها شأن كبير، ولكن بشروط محددة وهو توفير الدعم والمكاسب حسب اتفاق مسبق يتناسب مع حجم مشاركتهم في برامج تلك الاحزاب. فعدم إدراك هذه الأمور الحساسة سوف تعمل على إذابتنا في المجتمعات الأكبر والانصهار في بوتقتها، كما يحصل الآن في سوريا والعراق وأوربا، وعندها ستحل الكارثة على الأمن القومي الإيزيدي.
إنني هنا لا اعني ما هو ضد الفكر الانساني الذي يختاره اي انسان كان بمحض إرادته وحريته بما فيه تغيير عقيدته. ولكن عدم وعي الانسان الإيزيدي بما يمتلك من التراث الديني ويجعله يفتش عنه وكأنه شيء مفقود ليشبع به غريزته، والجري وراء الآخرين من غير هدف، هي ذاتها المشكلة الحقيقية. رغم ان هذا لا يعني بأنه ليس للإيزيديين من تراث وموروث اجتماعي وديني بحيث يهجره بهذه السهولة، لانه لا توجد عقيدة لا يحصل فيها موت أو مرض أو إعتداء أو غبن للحقوق لكي يقول الانسان بأن العقيدة الفلانية أفضل من غيرها. فالأسماء التراثية الآن في تلاشي والأغاني الفلوكلورية التي تحمل جزء اساسي من تاريخ الإيزيدية هي الأخرى في طريقها إلى الزوال، والزي الذي كان يشير إلى خصوصيتهم أصبح شي من الماضي وما بالك من تغيير صوت ولفظ الكلمات التي بدت تقلد ما موجود منها في المناطق الكردية الأخرى بهدف المجاراة وهكذا الأمر في القضايا الأخرى التي تحافظ على كيان الشعوب كجزء من أمنها القومي والحفاظ عليها من الضياع والذوبان في الآخر.
ومن الجدير ذكره، أن هذه القضايا والتهافت عليها من قبل فئات المجتمع الأساسية كالشباب تعد من الخطورة ما يجب الانتباه إليها. أي أن عدم قناعتهم بأن ما لهم هو مثل ما للآخرين من بنوك المعلومات التي تخص التراث والعادات والتقاليد، ومن أعياد ومناسبات وعلاقات الزواج والتراثيات التي لها شأن كبير كما في المجتمعات الاخرى، تجعلهم يخلقون أعذاراً ومبررات لتحقيق غايات في انفسهم. بالإضافة إلى ذلك عدم وجود قنوات إعلامية تسلط الضوء على تلك النشاطات وإعادتها إلى الاذهان بالنسبة للأجيال القادمة التي بتقادم الزمن ستنسى ما كان عليه الاجداد من تراث ديني واجتماعي وسياسي وما يتعلق بها من تضحيات وموروث قديم. اي ربط حلقات المجتمع الحديثة بما هو قديم وتراثي، وبالتالي ستتواصل الاجيال في التعرف على ماضيها وتأخذ من نقاطه المضيئة منطلقاً لمستقبل أكثر أمناً وأكثر تواصلاً. عليه، وفي فترة ليست ببعيدة سيفقد الإيزيديون توازنهم، إذا ما استمروا على هذا النهج، وكل ما يتعلق بخصوصيتهم ويبقى لهم فقط تقليد الآخرين وإدخال ما هو جاهز على حساب الاصيل. وسنصبح،لا سامح الله، في زمن غير بعيد كسلعة تراثية يتم التعامل معها من قبل الآخرين كما تباع السلع التراثية في المزادات العلنية.
إذن، فإن فهم الأمن القومي للفرد كما هو للعائلة أو المجتمع بأكمله هو سلسلة مكونة من مجموعة حلقات مترابطة لا يمكن فصلها عن البعض، ويجب أن ندرس الظواهر المخيفة ونبحثها ونعقد لها مؤتمرات ونقترح الحلول ونخرج بنتائج. وكذلك علينا أن لا نخجل من إيزيديتنا مهما قيل بحقنا، ولا يجوز أن نكون سذج لهذا الحد بحيث نتصرف سلبيا تجاه ما قدمه الأجداد من تضحيات دفاعاً عن هذه العقيدة والحفاظ على أمنها القومي من التلاشي. فيمكن أن يكون لأي منا رأيه في موضوع معين أو تجاه شخصية معينة أو فترة زمنية بذاتها، ولكن هذا لا يعطينا الحق بأن نكون سببا في طمس حقوق الذين دفعوا حياتهم ومستقبل أطفالهم ثمناً لما حصل في وقتها. لذلك يمكن القول بأن الأمن القومي الإيزيدي الآن وإن كان مرتبطاً بجهة معينة وخاصة القوى السياسية الكردية، فلا يعني ذلك الذوبان فيه والجري وراء كل كبيرة وصغيرة من دون حسابات مستقبلية. صحيح لنا مشتركات معهم، ولكن لا يخلو الأمر من خطورة في التعامل معهم وكشف كل الاوراق مرة واحدة من دون ضمانات مستقبلية.
فمن يضمن بأنه لا تأتي حكومة تحت أسم الديمقراطية لتتبوء قيادة المجتمع وتعيد نظام الفتاوى إلى الوجود والشهود ليست ببعيدة من أعمال الشيخان في 15/2/2007، والدعوة من على جامع عمر بن الخطاب في الشيخان عام 2004 ، وهي من الحجج القوية بيد المفاوض الإيزيدي اثناء المناقشات في هذه الشئون. بل ومن يضمن بأن القيادات الكردية نفسها لا تعيد الاقتتال الداخلي بعد تصفية الأجواء لها؟ أي إنه علينا التحسب للمستقبل السياسي غير المستقر في كردستان، وما يحصل من تهور سياسي في الوقت الراهن. وهذا الأمر ليس ضد المصلحة القومية والأمن القومي الكردي بقدر ما تقويه وتحافظ عليه من التشتت، بل على الساسة الأكراد أن يحسبوا لمستقبل التعامل مع الإيزيديين وأن لا يهملوا ما قد يحصل في المستقبل، لا بل أن لا يستبعدوا اللعب بورقة الإيزيديين على ضوء ما تفرزه الاحداث. وفي نفس الوقت من الواجبات الحتمية على القيادات الإيزيدية الانتباه إلي ما يدور وقياس خطورته المستقبلية. فيتراءى لنا بأن الساسة الأكراد غير واعين لطريقة التعامل مع الواقع على الارض، أو إنهم قد حصلوا على الضوء الاخضر بأن الكون سيدور في فلك حسب ما مطلوب بالقياسات الكردية، وكان هذا عين ما يتصرف على ضوئه صدام حسين، ولكنه وقع فيما وقع فيه. قد يختلف التكتيك، ولكن على شعوب الارض وقياداتها ان تعلم بأنه ليس لامريكا صديق، كما ليس لها من عدو، وإنما يحددهما معاً المصلحة العليا التي فيها ضمان أمنها القومي.
مكمن الأمن القومي الإيزيدي:
إذن أين يكمن مصدر التهديد للأمن القومي الإيزيدي؟ هل هو في قيادته غير القادرة على مجارات التقدم التكنولوجي والتغير الاجتماعي والسياسي الحاصل بشكل يومي؟ هل هو في المطالب القومية بمعزل عن الخصوصية الدينية؟ وإذا ما تحقق الجانب القومي، هل الإيزيديين في مأمن فيه من دون ضمانات؟ متى كانت القومية تشكل مشكلة للأمن القومي الإيزيدي؟ هل هي في عدم وجود خط سياسي واضح المعالم لكي يدخل معترك الحياة والتي اثبتت الوقائع بأنه من أهم أركان الاعتماد في ظل الاوضاع الراهنة؟ وقد برهنت صحة ذلك اختيارات الوزراء وتقسيمها على الاحزاب السياسية العاملة في الساحة الكردستانية بعد التفكير بتقليص عددها إلى 18 وزارة، فاين تكون حصتهم من هذه الوزارات من دون حزب سياسي يفرض عليهم (حصته) من خلالها؟ وإذا حصل هذا، هل أن الأمن القومي الإيزيدي في مأمن من الجيران عقب الخلل الهائل في نفسية وتركيبة المجتمع العراقي بعد سقوط النظام؟ لماذا الحرب على الإيزيدية من دون بقية الفئات في كردستان في تشكيل حزب سياسي وفرض الوصاية عليه؟ كيف يمكن رأب الصدع الذي أفرزته الاحداث بعد كارثة الشيخان وما تلاها في بعشيقة والتي توجت بما جرى في القحطانية والجزيرة؟ كيف لنا أن نفكر في الوضع الحالي؟ وما البديل في حال عدم تلبية الحد الادنى من متطلبات الواقع؟ كيف يمكن المحافظة على الذي تحقق ايجابيا؟ كيف يمكننا تجاوز السلبيات؟ أسئلة كبيرة بحاجة إلى رؤية مستقبلية وثاقبة ومن دون نفاق، ولكن لنرى بعض ما يجري الآن لعله نستطيع أن نبني عليه في المستقبل.
لنفحص جغرافية الإيزيديين في العراق مثلا وأهميتها الجيوسياسية؛ يتركز وجود الإيزيديين في الشريط (المتنازع عليه) الفاصل بين حدود المطالب الكردية-العربية ابتداءً من حدود سوريا إلى جبل مقلوب، حوالي 25 كم شمال شرق مدينة الموصل باتجاه مدينة أربيل. وهي مسافة تعدو أكثر من 250 كم طول وتعتبر منطقة نزاع ملتهبة، وخطاً استراتيجياً مهما للحفاظ على الأمن القومي الكردستاني (وليس الكردي فقط)، وفي نفس الوقت تعتبر مفصل أساسي لربط اكراد العراق مع الاكراد في كل من سوريا وتركيا (ومن هنا أهمس في أذن القيادات الكردية بأن لا تخطأ مع الإيزيديين وتبني حساباتها على ما يزينها لهم مجموعة، قد لا يهمها سوى مصلحتها). يتخلل على طول هذا الخط وجود قبائل مختلفة في الانتماءات العشائرية والعرقية؛ وهي في غالبيتها لا تكن الود والمحبة للسياسة الكردية. ومنها عشائر شمر في ربيعة، والجحيش (والجرجرية) في سنجار وزمار، والتركمان في تلعفر، والحديديين في الشيخان، والشبك والكلدواشوريين في بعشيقة والقوش وبرطلة وقرقوش. وأن كل من العرب والاكراد يعولون على الايزيديين وجغرافيتهم لكونهم ليسوا في وضع يستطيعون فيه ترتيب أوضاعهم وتوحيد كلمتهم وفرض رأيهم على الآخر، وبالتالي ربط مصالحهم العليا بأمنهم القومي بحيث يقفوا موقف واحد بعد تحديد مطالبهم المشروعة. وأن التركمان والكلدواشوريين والشبك، لهم من يدافع عنهم بحكم العامل السياسي السائد الآن وما لهم من علاقات مع جهات وأحزاب بامكانها توفير الدعم اللوجستي والمادي المطلوبين في وقت الحاجة.
ولكن ما الحل مع الوضع الإيزيدي؟ فبعد حصول التصدع العميق في علاقة الإيزيديين مع المناطق العربية المجاورة وما حل بهم بعد مأساة الشيخان في 15/شباط/2007، وجريمة 22/نيسان/2007 بقتل 24 عامل نسيج إيزيدي من بعشيقة في الموصل، والتهديدات التي تلقاها الإيزيديين على ايدي جماعات متطرفة في مدن العراق وخاصة الموصل بترك العمل والدراسة والمصالح واستباحت الممتلكات والعقارات، وما توجته كارثة 14/8/2007 في كل من القحطانية والجزيرة، وما تلاهما من تداعيات وما رافقتهما من تداخلات. اصبح من شبه المستحيل العيش مع الوسط العربي، وهذا ما يعول عليه الجانب الكردي والتي ساهمت بفعالية في خلقه وخاصة في سنجار، لما لخلق هذا الوضع من ضرورات يتطلبه الامن القومي الكردي، وبالأخص بعد كارثة 14/آب/2007. ولكن علينا أن لاننس، بل ما يعرفه الاخرون، بأن الذي حصل كان بسبب التأييد الذي أبداه الإيزيديين للسياسة الكردية وتوفير الحماية والدعم اللوجستي وتسهيل مهمتهم في البقاء في المناطق الإيزيدية المذكورة (رغماً عنهم بسبب غياب الدولة)، مما وفرت الأرضية والحجة للإنتقام فيما بعد. أي أن الوجود الإيزيدي مهدد في جغرافيته من قبل الطرفين (من طرف السياسة الكردية بضم تلك المناطق إلي جغرافيتها وما يرافق ذلك من تحقيق مصلحتهم العليا على حساب الإيزيديين، كما هو الآن، وخاصة منطقة سنجار التي تربط أكراد العراق باكراد سوريا كما سبقت الإشارة. ومن الطرف الآخر لما يترتب على ذلك من ردة الفعل العربية تجاه هذا التصرف الكردي وحماية الإيزيديين لتلك المصالح). ولكن، ايهما أفضل في المحصلة لكي يكون لنا معه شراكه؟
فكنا منذ الأول نركز على تكوين علاقة مع القوى السياسية الكردية، (وهنا لا أعني التقرب من جهة معينة لكي لا تفهم الرسالة بشكل خاطيء) بحكم المشتركات، ولكن يجب أن تحكمها شروط وضمانات دستورية. وعندما تحدثت بهذا الأمر قبل اربع سنوات من الآن، أتهمني (المخلصين) بأنني احاول فصل الإيزيدية عن الأكراد وأن علي سيدو عربي ويؤكد العروبة)، اللهم إني بري من هذا الفكر وإنما أؤكد وسوف استمر في أن يكون للإيزيدي شخصيته، من دون وصايا كما لغيره. وفي حديث مع مسئول الحزب الديمقراطي في سنجار انتفض عندما طرحت له مسألة الضمانات والحقوق الدستورية وقال؛ إنني لا أوافقك الرأي في هذا لإنك بهذا المطلب تصٍغر من حجم الإيزيدية وشأنها، أليسوا أكرادا مثلنا؟. وبهذا الكلام أختزل الرجل المسئول المنطقة التي يديرها من كامل خصوصيتها ووضعها في الجيب الكردي والسلام، ونبارك للشعب الكردي لما حقق بعد تضحيات جسام، ولكن لا نتمناها ان تكون على حسابنا.
عليه، يفترض أن نفٍهِم القوى السياسية الكردية، بأنهم تبّنوا مسئولية المناطق الإيزيدية أمام القوات الامريكية والقيادات العراقية المتعاقبة لأنه تم طرح مسألة الإيزيديين كنقطة يجب تدارسها، في حين لم يتم طرح أسم السورجية أو الزيبارية أو البارزانية كعشائر، وهذا دليل على أن الدولة كانت على دراية تامة بخصوصية هذه الشريحة (الايزيديين). ومن بعد ذلك تعاون الإيزيديين مع قدوم القوات الكردية وكانت محل ترحيب، فاستفادوا من المنطقة جيو-سياسياً كخط حماية لأمنهم القومي وإضافوا منطقة جغرافية مهمة إلى كردستان، وهذا بالمقابل يفرض عليهم التزامات أخلاقية ودستورية. ومن هذا يتوضح بأن الإيزيديين ليسوا عشيرة كردية مثل الزيبارية أوالهركية مع جل احترامنا لهم. ومن الواجب علينا أن لا ننسَ أحداث التاريخ المؤلمة، بل أن نضع في اعتبارنا المصلحة العليا للحفاظ على الأمن القومي الإيزيدي من التهديد، من خلال ضمانات دستورية واضحة وغير خاضعة للإجتهادات والمزاجات الشخصية. وفي نفس الوقت المطالبة بحقوق المجتمع الايزيدي بدون مِنة من أحد، ورفض جميع الخطوط الحمر التي تتقاطع مع أمننا القومي في الهيمنة والتذويب في ثقافته من خلال إلغاء الخصوصية.
كما يجب إفهامهم بان المطالبة بالحقوق العامة كالوظائف الدبلوماسية وبعثات الطلبة وتفعيل التعليم وتوزيع الخدمات والمشاريع على أساس الاستحقاق السكاني من ميزانية الدولة وغيرها هي ليست مطالب شخصية متصلة بالأمير وخاضعة للمزاجيات. وأن المطالبة بالمصالح السياسية هي الاخرى من الأمور المشروعة وليس لأحد الحق في الحد منها أو منعها أو مصادرتها لأنها تعد من الحقوق الاساسية للشعوب والمجتمعات. ومن ثم إفهام الجانب الكردي أيضاً بأن حصة الإيزيديين من ميزانية الدولة هي في جعبتهم، وبدلا من إقامة المشاريع الخدمية، فهي تتوزع على شراء الذمم. وايضا من حقنا الشرعي أن نضع في اعتباراتنا مصدر الخطر الذي يأتي منه التهديد لأمننا القومي، فلا فرق في المفهوم بين الهجوم الذي نفذته آلاف المسلحين الاكراد على الشيخان يوم 15/2/2007، وبين الهجوم الارهابي على سنجار بتفجير أربعة شاحنات في 14/8/2007.
أي أن لكل منهما أسبابه وتداعياته البعيدة المدى على الامن القومي الإيزيدي. ولكن ولكي نؤمن جانب الامان، وهذا من حقنا، يجب أن يكون لنا سند دستوري مكتوب يمكن الرجوع إليه في حالة حدوث أزمات من هذا الحجم، كونه الضمان الوحيد الذي يحافظ على كيان المجتمعات المتآلفة في رقعة جغرافية واحدة تتسم بالنزاعات العرقية والاثنية العنيفة، ويحافظ عليها من الزوال، حتى وإن كان على الورق. فمثلاً، هل يتنازل المواطن الكردي الهركي أو السورجي أو الزيباري وكذلك الجبوري أوالدليمي عن خصوصيته العشائرية للذوبان في بقية العشائر الكردية أو العربية (البارزانين والعبيد مثلا)؟ وإذا ما حصل انتهاك لحقه العشائري؟ ألا يدافع عن خصوصية إنتمائه العشائري إذا ما حصل خلاف بين عشيرته وما يجاورها من العشائر الاخرى؟ والجواب بكل تأكيد هو نعم سيدافع عنها بكل شراسة، فهل مطلبنا هو مجافي لما هو سائد في العرف العام بين المجتمعات الشرقية؟ لا أعتقد ذلك.
أما الوجه الثاني الذي يمكن أن يحمينا من التلاعب بمستقبلنا ومن ثم الحفاظ على أمننا القومي، فهو المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بحقوق الانسان وجامعة الدول العربية وغيرها من الجهات المهتمة بحقوق الشعوب المهددة بالانقراض. وما أعني بالانقراض هنا هو إخفاء الحقائق التاريخية لخصوصية المجتمع الإيزيدي في ظل أوضاع مرتبكة من التلاعب السياسي بمقدرات الغير واستغلال حجة الانظمة السابقة بتمرير مخطط يهدف منه الهيمنة وإلغاء الخصوصيات وفرض سياسة الأمر الواقع والحزب الواحد. ففي رأيي المتواضع إذا ما ذابت خصوصيتنا، فإننا قد تعرضنا للإنقراض وهو يعد من أسوأ الانواع قاطبةً لإنه يأتي بتخطيط ودراسة معمقين لواقع الحال. وأن تجريد المجتمع الإيزيدي من تراثه الاصيل تحت حجة التوجه القومي فقط، وبالتالي إضعاف حلقات ترابطه وتماسكه، سيجعله سهل الابتلاع والتذويب. وفي هذا المجال، يجب على الشخصيات الإيزيدية ومنظمات المجتمع المدني غير المرتبطة بمركز لالش تحديداً، أن تكثف من جهودها بإدامة التواصل مع المنظمات الدولية والشخصيات العالمية ذات الشأن بحقوق الاقليات وإبلاغها بشكل مستمر عمّا يحصل من انتهاكات خطيرة في المستقبل الإيزيدي مهما كانت الجهة المسببة لتلك الانتهاكات (وهذا ما تفعله بدون ملل رابطة المثقفين الإيزيديين، حيث اصبح لها شأن كبير في البعد الدولي وخاصة مركز البحث والتوثيق في الاتحاد الاوربي ومنظمة العفو الدولية والقسم الخاص بشئون الاقليات، بل اصبحت معتمدة من قبلهم). وبذلك، ومن خلال تدوين الحقائق وتوثيقها دوليا سنكون في وضع نستطيع معه المطالبة بحقوقنا المهدورة مهما طال الزمن، في الوقت الذي لا نتمنى أن يصل بنا الأمر إلى هكذا أمر. ولكن الاحتياطات الامنية تعد من ضرورات المجتمعات التي تعيش في أوساط لا يسود فيها القانون على الاعراف والمصالح الشخصية والعشائرية. وهنا أود أن أذكر بأنه تم تخصيص 10 مليون دولار لعوائل الأقليات التي هجرت تحت التهديد، ولكن على حد علمي لم يصل ولو دينار واحد لأي إيزيدي، إضافة إلى 8 مليون يورو من ايطاليا لنفس الغرض. فلماذا إذن هذا الغبن والاجحاف والتمييز العنصري؟
والأمر الثالث والمهم هو حماية لالش دوليا وتسهيل مهمة السفر والحج إليها بحيث لا تخضع للهيمنة والابتزاز السياسي. فمنذ خمس سنوات لم تؤدِ المراسيم الخاصة بلالش كما يجب أن تحصل، في الوقت الذي تنعم كردستان باستقرار أمني وهو دليل صارخ على عدم أمان كردستان بالنسبة للإيزيديين. لذلك، فإن الإهمال وعدم القيام بتلك الشعائر سوف يعملان على تداعيات سلبية وتلاشي واندثار مهمة الحج وتفريغها من محتواها الديني بشكل يصبح معه الأمر كما لو لم تكن سوى مناسبة سياسية تؤدى من خلالها بعض المراسيم التي لها علاقة بالواقع السياسي وزيارة المسئولين إليها وكأنه مهرجان للمرح واللقاء والمديح والنفاق فقط، وهو ما يحصل الآن بالفعل.
بالنظر للخصوصية التي تكلمنا عنها كثيراً ولصعوبة التعامل مع الواقع، نرى بأن الاستمرار في وضع بقاء مناطق الإيزيدية معلقة في نزاع ما بين هذا وذاك (وقد تكون عرضة للمساومة السياسية)، وعدم حسم عائديتها بشكل واضح لحد الآن يعني لنا الكثير. أي إنه ستكون جميع تداعياتها السلبية على حساب المجتمع الإيزيدي (وبقية الاقليات التي تعيش ضمن نفس الرقعة) وتقدمه من حيث ضياع الفرص السياسية والمطالبة بتحقيق التنمية بتوفير الخدمات الاساسية وإقامة المشاريع مما ترصد له الدولة والمرتبطة بحصة المناطق من الميزانية العامة في التعليم والصحة غيرها من الخدمات الاساسية. مما تحٍمل الإيزيديين أعباء اقتصادية هائلة لعوائل تعيش تحت خط الفقر المتقع في غالبيتها، وفي نفس الوقت زيادة الاحتقان ونقمة الآخرين. وقد حرم الالاف من الشباب من حق التعليم وخاصة النساء بسبب تقييد حرية الحركة والسفر والتي سيحرمها بشكل كامل من هذا الحق فيما إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن. ناهيك عما سيترتب على هذا التأخير من ضياع في مستقبل المجتمع الإيزيدي بين الحكومة المركزية والحزبين الكرديين من جهة وبين الحزبين الكرديين نفسيهما، ومن ثم تحديد عائديتها وما يترتب عليها من مساومات لا نعلم عنها وعن ما يخطط لمستقبلنا في الخفاء، لعدم وجود من يمثل الإيزيديين في مراكز صنع القرار. وبكلام واضح ومن غير رتوش فإن القوى السياسية الكردية سوف تستحوذ على المناطق التي تسكنها الإيزيدية سواءً شئنا أم أبينا وباي ثمن، وسواء حصل استفتاء أم لم يحصل، وعلينا معرفة ذلك. لأنه وبمعادلة بسيطة، فإن المطلوب كردياً، في غياب الدولة، هو ليس عدد من البشر الإيزيدي بقدر ما مطلوب جيوسياستهم وخيرات مناطقهم. أي أن المطلوب هو الجيوسياسيا الإيزيدية لحماية الأمن القومي الكردستاني، وربط مفاصله مع دول الجوار من خلالنا وليس الهدف هو الانسان الإيزيدي. وهذا ما صرح به سامي عبدالرحمن (سنجاري)، منذ فترة طويلة عندما قال: إن الجبل (يقصد جبل سنجار)، والتراب والماء والهواء هي كردية، فليقل المجتمع الإيزيدي بأننا لسنا أكراد في إشارة إلى ما تطالب به الحركة الإيزيدية من أجل الاصلاح والتقدم. أليس في هذا الكلام تهديد للأمن القومي الإيزيدي وإلغاءه كبشر؟ وهل أنكر الإيزيديين كرديتهم لكي تكال لها التهم مسبقاً؟ وهنا أريد أن أشدد بأن الإيزيديين رووا بدمائهم أرض سنجار والشيخان وبعشيقة ومعظم أجزاء كردستان (قبل إسلامهم). وأن إراقة القسم الأعظم من ذلك الدم كان بسبب مباشر من القيادات الدينية والسياسية الكردية. وعليه، فليس لأحد مٍنة علينا لكي يقول بأنه حافظ على وجودنا ووفر لنا الحماية من جهة معتدية، بل أن تقرير مصير الأرض التي رويناها بدماء شهدائنا حق طبيعي لنا نملكه نحن فقط حسب المواثيق الدولية. وإذا ما تطلبت الامور، فعلينا الحق بالمطالبة بأرض الاجداد وهو العمادية والكلك وإمارة داسن وعموم جغرافية الشيخان. وسنسعى إلى تجميع الخرائط والحقائق التاريخية والمخطوطات التي تبين أحقيتنا في الأرض التي رويناها بدمائنا وسلبت منا، قسراً بعد القتل والتشريد والسبي. وفي أعتقادي، فإن السياسيين يعرفون جيداً قبل غيرهم بأنه مهما طالت الفترة الزمنية، فإن الحقوق تبقى مزروعة في الارض، تنمو مع الزمن في حدود المطالبة بها، والدليل هو الحلم الذي حققته الحركة الكردية في العراق. فهل إخوتنا في القومية وفروا لنا الحماية من الأمير الأعور الكردي، أو من عبدالله الربتكي الكردي، أو من سياسة التجميع ومصادرة أراضي الإيزيدية للعرب، أو من تصفية الكوادر الإيزيدية في الحزبين الكرديين، أو من جعل مرقد لالش مدرسة إسلامية، أو من مسح الاماكن المقدسة والقبور من الوجود، أو الهجوم على الشيخان، أو الهجوم في الفنادق وساحات العمال، أو الإعلام الذي أشعل البيت الإيزيدي بمقتل دعاء، أو مصادرة الاصوات في الانتخابات وما ترتب عليها من المصالح السياسية، أو من مقتل 24 عاملا بسيطاً، أو من كارثة القحطانية والجزيرةأو نهب الميزانية وتوزيعها على شراء الذمم...........إلى آخره؟ وماذا جنى الإيزيديون من الكردياتي لحد الآن مقابل هذا العويل سوى الخيبة والقتل والتدمير والتهجير والتشريد وترسيخ الامية والتخلف والتقوقع وتدمير الاقتصاد وسرقة المستقبل؟ ومع ذلك، يبقى مشكوك حتى في ولائه القومي. ماذا تريد القيادات الكردية أكثر من هذا الذي قدمه الإنسان الإيزيدي من غير مقابل؟ كفى للظلم أن يستمر، وكفاكم استهتارا بقيم الناس، فخمس سنوات كافية للإختبار وحسن النية. وكفى أن تستمر هذه القيادات الإيزيدية المتخلفة والجبانة لتقود هذا المجتمع الاصيل إلى مصير مجهول. فلنبدأ كمثقين نتحاور، نتجاوز، نتعاون، نتحاشى، نختلف، نتفق، نؤسس حزب سياسي، نبدأ ببرنامج مجتمع مدني، ننهض بالدور الحيوي للمرأة، نتعصرن، وسوف نكسر هذا الطوق مهما بلغ من جبروت. ولكن ماذا اقول للسيد تفشو (المجهول الذي لا يستحق الرد عليه) حول تعليقه على الاسماء: أقول له، ما هو اسم؛ رئيس برلمان كردستان، وما اسم رئيس الاقليم ورئيس الجمهورية وسكرتير الحزب الديمقراطي (عدنان ومسعود وجلال وفاضل). يجب على الانسان ان يحمّر خجلا عندما يخطأ بحق الآخرين، وعليه أن يعتذر.
على الرغم من مناداة الحكومة العراقية بالمصالحة الوطنية وصرف المليارات عليها، فالواقع يقول غير الذي يدعونه. والدليل هو تطور وتفعيل المشاكل وتعميق العداوة فيما بين الاحزاب انفسها، وبالتالي إنسحاب الحالة على مؤيدي تلك الاحزاب بما تقدم من دعم لوجستي لمنتميها وخلق عداوة مستديمة بدلا من التنمية المستدامة والتراضي وربط الاحوال ببعضها. فعلى المجتمع الإيزيدي أن يفتح علاقاته مع جيرانه من العرب والتركمان والاكراد والكلدواشوريين والشبك بدون قيود وخوف والتحسب لاحداث التاريخ المستقبلية مهما كانت انتماءاتهم السياسية. لإنه لا يعقل أن الاحزاب السياسية هي التي تعمل على تعميق الخلافات العشائرية فيما بين المجتمعات المتآلفة أصلاً. وفي حقيقة الأمر يختلف وضع المجتمع الإيزيدي عن باقي مكونات الشعب العراقي بسبب العامل الديني، ويتطلب وضعهم تحسين العلاقات وفتح القنوات وإدامة التواصل مع الجميع بدون تمييز لما له من تاثير على واقعهم بخلاف الاخرين.

الجوانب الاقتصادية:
تلعب الجوانب الاقتصادية دوراً أساسيا في تاريخ المجتمعات والشعوب المضطهدة لحماية أمنها القومي وازدهار وتنمية مستقبل أفرادها. ومن الحكمة تسجيل الملاحظات التالية والتي سيكون لها التاثير المباشر على الامن القومي الإيزيدي بشكل مثير:
لنلقي نظرة على ما كانت تنتجها مناطق الإيزيدية من منتوجات زراعية وصناعية وماذا حدث فيما بعد لهذا الجهد الاقتصادي. فناحية بعشيقة مثلا كانت تنتج الزيتون والطرشي والصابون والراشي والمونة من برغل وما يرافقها من ملحقات، إضافةً إلى إنتاجها من البصل وما تتمتع به من سياحة كقرية نموذجية من حيث مستواها التعليمي وجمال طبيعتها. فكانت تعتبر القرية الصناعية الاولى على مستوى الشرق الاوسط، بالإضافة إلى إنها كانت تمد العراق باكمله بهذه المنتوجات وكان لها استثمارات وعلاقات تجارية مع بعض بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. ولكن الآن تحددت حركتها في كردستان فقط، وما أدراك ما هي كردستان بالنسبة للإيزيديين وتحريم التعامل مع منتوجاتها. أليس في هذا دمار لمستقبل الآف العوائل وذات مساس مباشر بالأمن القومي الإيزيدي إقتصادياً؟ طبعاً هذا حصل لكل العراق ولكن تأثيرها البالغ يظهر بجلاء على هذه الشريحة أكثر من غيرها وأعني بما اقول وماله علاقة بالامن القومي الإيزيدي. لانه بمجرد عودة الامور إلى بعض عافيتها، يستطيع كل عراقي أن يتحرك وله امكانية المناورة بالحركة إلا الإيزيدي الذي ليس له امكانية هذه المناورة بسبب الطوق المحكم من قبل جميع فئات الشعب، لكونه مستهدف من الجميع. أما في كردستان، والتي تعتبر الآن المنفذ الوحيد للحركة الاقتصادية الإيزيدية واستثماراتها، فهناك الكثير من المضايقات للإيزيديين بسبب موقف الاسلاميين المتشددين بل ومن المجتمع عموما، وتحريم التعامل مع منتجات الإيزيديين ومقاطعة بضائعهم، ولم يبقَ لهم سوى العمل في المجال المنبوذ في الوسط الاسلامي؛ ألا وهو المتاجرة بالخمور والعمل في النوادي. فهل من المعقول أن ينتظر مجتمع كامل ليتكرم عليه متخلف من الدهاليز بإصدار فتوى ليحلل التعامل معه؟ أي منطق بشر يقبل بهذا الوضع؟ هل أدى السياسيين دورهم ولجموا هؤلاء الجهلة لكي نقول بأننا في مأمن؟ أليس الشباب يؤيدونهم أكثر من تأييدهم للقادة السياسيين فيما يتعلق الأمر بالإيزيديين؟ وهل يقبل المنطق بأن يتم تخصيص موظف إيزيدي ذو مؤهل عالي المستوى لكي يقنع جاهل من هؤلاء بأنهم على خطأ؟. لذلك يجدر بنا أن نرفض وبكل وضوح وبصوت مرتفع وواضح هذا التعالي والتمييز العنصري المقيت من خلال إفهام الساسة بخطورة ما يمكن أن تترتب عليها.
وفي سنجار، التي تعتبر سلة خبز المنطقة الشمالية من حيث المحاصيل الاستراتيجية كالحنطة والشعير ومحاصيل الخضر والفاكهة الاخرى كالطماطة والبصل والبطاطا والثوم والباذنجان. والتين والعنب والرمان والزيتون والخوخ وغيرها من الفواكه، بالإضافة إلى الانتاج الحيواني التي كانت عماد وأساس التجارة في محافظة نينوى وباقي مناطق العراق. اليوم، وبعد الكوارث المتعمدة والمتكررة باسلوب متواصل ومنسق، لا يستطيع اي فرد منهم بالسفر أكثر من 20 كم خارج منطقته الجغرافية، حتى ولو تطلب ذلك تنظيم وثيقة رسمية أو حالة مرضية طارئة، بسبب التهديدات المباشرة من جميع الفئات العراقية الكردية منها والعربية. وأن الذي يحصل هو الاستغلال البشع لمقدرات هذا المجتمع من خلال السماسرة، وبذلك بدا يتقوقع على نفسه كما لو كان الأمر في اربعينات القرن الماضي من دون أن يكون له حول ولا قوة لدفع الأذى والتعامل مع الحدث بواقعية. فأين يمكنني صرف شيك القومية والمجتمع محاط بهذا الصور المخيف من دون بوابة، والمهدد في أمنه القومي؟ ومن جلب لنا كل هذا الدمار؟وبذلك نقول؛ إذا ما أستمر الحال بهذه الوتيرة، فسوف يكون أمام الإيزيديين أحد خيارين لا ثالث لهما واحلاهما مر:
إما القبول بالأمر الواقع وتحمل مأساتها وعلى حساب مستقبل الاجيال والامن القومي الإيزيدي بقبول ما يمليه عليهم المتطرفون وبدعم من جهات معروفة وأخرى لا زالت مجهولة بتغيير عقيدتهم. كما حصل لستة عوائل إيزيدية من سنجار، حيث تعرضوا للتهديد في محافظة تكريت في صيف عام 2007 واضطروا لتغيير عقيدتهم الدينية. أو
الهجرة إلى خارج الوطن وتفريغ البلد من مكوناته الاساسية كما هو حال بقية الأقليات الدينية والعرقية كالصابئة المندائيين والشبك والبهائيين والكلدواشوريين والتركمان والفيليين وغيرهم وكان الله في عون الجميع. وعندها سيفرغ البلد من لوحته الجميلة وسكانه الأصليين، وستسيطر الدكتاتورية الفردية وتعود الامور إلى ما كانت في العهد السابق بنظام الحزب القائد، ونبدأ كما تعودنا أن نبدأ من الصفر.
فعلى الرغم من أن الامور الآن هي في نفس الدرجة والقسوة كما كانت في السابق، بل إلى الأسوأ، ولكن لا زالت هناك بعض القضايا غير واضحة المعالم لعموم الشعب ويمكن الضحك عليهم تحت غبار (الديمقراطية)، بأن المستقبل سيكشف لهم تطبيق الديمقراطية الحقة حسب مفهوم الاحزاب السياسية (وهنا لا نعني فقط الاحزاب الكردية). فلا يمكنني أن أتصور بأن هذه الاحزاب التي لطخت ايديها بدم الابرياء ان تعود إلى رشدها بعد ان قطعت شوطاً في الدكتاتورية. وأن ما يحصل الآن هو نسخة لنفس ما كان يحصل في السابق، ولكن باسلوب أكثر جماعي لكي يقال بانها عملية ديمقراطية ويشارك فيها جميع الفئات.
ولذلك ينبغي على المجتمع الإيزيدي ان يقاوم التغيير الديموغرافي الذي يحصل الآن في سنجار والشيخان وبعشيقة. ولو لم يستطع من تحقيق ذلك، عليه تسجيل الوقائع وتوثيقها لليوم الذي يمكن بواسطته إثبات ما يحصل من الانتهاكات وبها ومن خلالها يمكن المطالبة بما يحصل الان من انتهاك في المستقبل، كما حصل في ايام الدولة العثمانية وما يطلب به الارمن اليوم من جرائم حصلت في ذلك الزمن. ولو كان الإيزيديين قد وثقوا تلك المآسي مع ما حدث للأرمن آنذاك، لكانوا قد استطاعوا المطالبة بنفس ما يطالب به الأرمن اليوم.
وبذلك وبعد هذه التوضيحات البسيطة، أليس لنا الحق في أن نحدد الاتجاهات التي جاءت منها كل هذا الكم الهائل من الكوارث وهددت كيان الأمن القومي الإيزيدي؟ وأنا على يقين بأن الكثيرين سوف لن تتكلم بصراحة عن المداخلات، بل ستركز على بعض الفقرات من هذا المقال وتعتبره تحريض. ولكن كيف لنا أن نستنتج ما يقينا من الوقوع في، أو نتجنب ما حصل الآن بأنه لا يتكرر في المستقبل؟ وعلينا توجيه سؤال محدداً لانفسنا، لماذا كل هذه المشاكل حصلت في عام 2007؟ ولماذا كانت نفس القاعدة وبعض المتطرفين يفرجون عن الإيزيديين قبل هذا العام أثناء القبض عليهم والشهود بالعشرات بمجرد التعرف عليهم من الهوية الشخصية الإيزيدية؟ ما الذي تغير لكي يحصل كل هذا؟ هل كان كله بسبب مقتل دعاء؟ ومن أشعل نار الفتنة في مقتل دعاء، أليس الإعلام الكردي؟ لكن ماهي الاسباب وراء ما حصل في الشيخان في 15/2/2007؟ أليست كانت بداية الشرارة التي انطلقت منها جميع مآسي الإيزيدية؟ وماذا يمكن أن يقدمه الإيزيديون أكثر من الذي قدموه من ضحايا كضريبة تأييد للمواقف لكردستان؟ مع العلم، أن كل ما جرى على رؤوسهم كان بسببها، واليوم يحسبونهم مواطنين أقل بقليل من درجة الكفر إن لم يزيدوا عليها قليلاً؟ وفي الأخير نقول، لمصلحة من جرى كل هذا الدمار والخراب في منطقة آمنه وخالية من العنف والامريكان؟ ومن الذي اشعلها لكي يستفيد؟ إذن تتطلب المصلحة العليا للأمن القومي الإيزيدي أن يتم التعامل مع الأحداث بما يستوجب وأن يحصل تقييم شامل لما جرى ويجري، وأن تكون الضمانات الدستورية هي الاساس في كل تعامل مع اية جهة كانت وليس في هذا عيبا أو نقصاً في الولاء.
كيف لنا إذن أن نقٍيم ما جرى في القحطانية والجزيرة كمحصلة (الشهداء، الجرحى، الدمار، قتل الطموح، تدمير الاقتصاد، المعانات النفسية، تعطيل حركة الحياة و......)؟ وماذا يجب ان نستخلص منها؟ وكيف يجب أن نقي انفسنا من تكرار مثل هكذا كوارث؟ ماذا مطلوب منا اداءه؟ ماذا لنا لكي نطالب به؟ ماهي الجهات التي يجب علينا أن نوجه لهم شكوانا؟ مَن يتبناها؟ لمَصلحة من أن نبقى في مثل هذا الوضع المخزي؟ ومن لا يقبل أن نخرج من هذا الإطار المحدد؟ مَن يحدد حركتنا لكي لا نستطيع تمزيق الطوق المفروض حولنا؟ مَن يوجه حركة حياتنا؟ مَن يقيد حريتنا في التعبير والاختيار؟ هل تعرفون كم هي المبالغ التي استفادت منها مصاصي الدماء في سنجار ودهوك من خلال مقاولات وهمية في سنجار؟ وهل تعلمون بأن الدولة والامريكان صرفوا مبلغ هائل لتوفير الطعام كحالة طواريء لعدد كبير من الاشخاص في القحطانية والجزيرة يوميا بعد 14/8؟ ولكن، كم من هذا الكم كان يصلهم؟ وكم منهم عرف به؟ وكم هي عدد الملايين من الدنانير التي استفادت منها هذا وذاك على حساب دم هؤلاء المساكين؟ ماذا يمكن ان نقول بعد كل هذا الخراب؟ أنقول بأن الأمن القومي الإيزيدي بخير؟ أبداً. وهو نفس الحال بالنسبة للأقليات الاخرى.
وبعد هذا أقول؛ ولأجل الحفاظ على أمننا القومي وبعد أن توصلنا إلى قناعة بعدم الجدوى من تحسين الظروف تجاه مجتمعنا الإيزيدي، فإنه لنا الحق في تأسيس حزب سياسي بالتعاون مع المراكز والاحزاب السياسية الايزيدية على مختلف توجهاتهم، ومن ثم تفعيل المطالبة بإقامة الإدارة الذاتية مع الكلدوآشور والشبك، لتكون بمثابة رسالة إلى الجهات التي لها غرض في تعويق تقدم المجتمع الإيزيدي رغم أهميته ضمن الشعب العراقي، لكي تفيق وتعرف مخاطر اللعب بمستقبل المجتمعات. فاليوم يمتلك المجتمع الإيزيدي جغرافية محددة ويمكنه الانطلاق منها والمطالبة بالحفاظ على أمنه القومي وحمايته من الانقراض على أيدي الجهلة الجدد ودكتاتوريتهم المقيته. وفي الختام أقول سنحاول قدر المستطاع بإيجاد تمويل لعقد مؤتمر خاص لهذا الغرض وتفعيل دوره بما يتناسب وحجم المشكلة. وأقولها بكل ثقة، إذا ما اتفقنا على 25% من الافكار، فسنجد من يقف إلى جانبنا في محنتنا، وأرى بأن النضج الاجتماعي والوعي السياسي والشعور بالغبن وصل إلى الذروة وبدأ الكثير من المراهنين على الزمن يعيدون حساباتهم فيما ذهبوا إليه وتوهموا بالوعود الكاذبة. فليبقى كل في حزبه وليخلص له، ولكن لاينسى ما مطلوب منه أخلاقياً تجاه من رووا الطريق بدماء زكية وعزيزة علينا.

ولكم كل التقدير والمحبة.

علي سيدو رشو
عضو منظمة العفو الدولية
رئيس رابطة المثقفين الإيزيديين
ناشط في مجال حقوق الانسان والمجتمع المدني
القاهرة في 27/2/2008
rashoali@yahoo.com


0 التعليقات: