اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو

وهما في طريقهما إلى أستاد "للكرة" في مدينة دينفر عاصمة ولاية كولورادو لكي يلقي خطابه في مؤتمر الحزب لأنتخاب المرشح الديمقراطي للرئاسة، قال باراك أوباما لزوجته ميشيل؛ "لقد وصلنا أنا وأنتِ إلى ما نحن فيه الان بسبب التعليم الجيد". ويعد هذا اعترافاً صريحاً بدور التعليم في الرقي الاجتماعي والسياسي في الحياة الامريكية والانسانية عامةً. وفي أثناء الخطاب لمّح أوباما إلى قول في غاية الدقة عندما قال؛ إنه لا يريد أن يباهي بعدد المليونيرات في المجتمع الامريكي، بل بعدد المتعلمين ومن يجدون كل الرعاية الواجبة صحياً ونفسياً وتنفتح أمامهم كل الفرص. إن أوباما تحدث عن "الامل"، وليس عن "الحلم" كما تطرق إليه مارتن لوثر كينك قبل ذلك التاريخ ب 45 سنة في خطابه الشهير من نفس الولاية عندما قال "عندي حلم". والفرق في التعبيرين " الحلم والامل" هو عامل الزمن وتأثير المدنية على الافكار العنصرية المقيتة التي عانى منها السود في دولة الديمقراطية، وكون الحلم يتعلق في التصور والامنيات، بينما الأمل يشير إلى الواقع والطموح القابل للتحقيق. وعلى الرغم من أن مارتن لوثر تحدّث عن الحلم، إلا أنه لم يكن يتصور أن يرى السود بهذه السرعة تتخطي الطوق الذي فرضه عليهم البيض، ولم يكن يتوقع بأنهم سيخترقون الجدار الحديدي الذي رسِمَ لهم، بل لم يحلم بأن يترشح عنهم شخص لرئاسة الولايات المتحدة على الاطلاق، ولكنه حصل.
إذن، ليس هنالك مستحيل في هذه الحياة، بل أن كل شيء قابل للتحقيق ولكن، كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ ثم، ماذا علينا أن نفهم من هذه الرسائل؟ وكيف استطاع السود في أمريكا أن يختصروا الزمن في فترة قياسية بعدما كانوا محرومون من ركوب المواصلات العامة التي يستخدمها البيض، أو الدخول إلى المطاعم أو حتى التعامل معهم كجنس بشر؟ فنراهم في السباقات الرياضية هم الذين رفعوا راس امريكا عاليا بين الامم. وظهر من بينهم من أنشط الاقتصاديين وعلماء الاجتماع واساتذة الجامعات والقيادات العسكرية العليا والسياسيين البارعين في حقل الدبلوماسية. فابدوا كفاءة في كل مفصل احتلوه، وبذلك فرضوا أنفسهم واقتحموا الواقع رغماً عن كل ما كان يتحداهم وتخطّوا جميع تلك الصِعاب والتحديات بِجَلد وصبر وتروّي وحِكمة. ولكن ماذا كان من وراء كل ذلك؟ إنه الطموح وتحدي الصعاب، الذي خلقه العلم والتعليم الجيدين اللذين خلّقا الاقتصاد القوي وبالتالي الدخول في العمل السياسي وتحقق الحلم مقترناً بالأمل على أرض الواقع.
ولكن من وجهة نظري فإن أوباما قد اخطأ كثيرا في قوله هذا من غير أن يشكر ويقترن مسعاه بما قدمه له حزبه. فلو لم يكن للحزب الديمقراطي دعم وتأييد وتمويل 600 مليون دولار لحملته الانتخابية، لما تخطى أوباما بكل علمه الذي تباهى به عتبه قاعة المحاضرة في الجامعة التي كان يدّرس فيها، ولآ قتصر عمله على الجانب الاكاديمي فقط. وهنا يجب أن نتعلم منه الدرس بأنه يجب علينا خلق تنظيم سياسي رصين.
فالتعليم الجيد هو من أهم المفاتيح التي تفتح الآفاق أمام الانسان، لكن يجب دعمه بالجوانب التي تمكنه من أن يطِوِر به امكانياته الذاتية، ودعمه بجانب ثانِ ألا وهو الجانب السياسي. لذلك هكذا نفهم الحياة؛ فالعلم هو المفتاح الرئيسي لكل خطوة نحو الامام، والاقتصاد هو السكة التي تسير عليها عربة التقدم، والسياسة هي العربة التي تقود المجتمعات، والصفوات هم القلة الذين ياخذون بيد الآخرين لنقلهم إلى غاياتهم بأمان عبر هذه القنوات.
فعندما تقهَر الامم والشعوب والمجتمعات بسبب عوامل خارجية كما هو حال السود في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يمكن لها من أن تتعامل معها وتتخطاها فيما لو أحسنت التعامل بتنظيم نفسها من الداخل مع الظروف الموضوعية التي من شأنها أن تركز على حالتين أساسيتين:
أولاهما؛ هي التعليم الجيد، لأنه لدى الانسان المتعلم القدرة على تشخيص الحدود بين الحقوق والواجبات، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين المطالبة بالحقوق بالموازنة مع الواجبات، وبالتالي يستطيع أن يضع كل منهم في خانته بحيث يعطي لكل جانب حقه من غير حدوث خلل في ميزان التعامل مع اي منهما ومن ثم وضع المقابل في زاوية حرجة. أي انه يستطيع التفريق بين ما له وما عليه وكيف يطالب بمستحقاته واختيار الالية الصحيحة لتلك المستحقات، بل ومتى يهاجم؟ وكيف عليه أن يقي نفسه من الفشل فيما إذا تعرض له بترك مساحة من المرونة والتكتيك في التعامل مع المتغيرات وواقع الحال؟.
وثانيهما: هو الاقتصاد الذي يحافظ على كيان الانسان من العوز والفاقة التي تجعل منه مستنجدا ويطلب العون وبها يقع تحت طائلة الابتزاز بكل اشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية. فبدونه تراه خائفاً جائعاً، مطارَدا، محاصِرا، ملاحَقا، محارَبا، مهزوما، بل مهدور الكرامة ومعدوم الحرية ومنتهك الحقوق، أسيراً في محيطه بسبب سيطرة عوامل التخلف والضعف علية والتي تراكمت بفعل تقادم الزمن. فكنا نتأمل أن زمن الخوف من التقارير والرعب قد انتهى، ولكن هذه المعادلة ستبقى في الشرق الاوسط على مدى الدهر وسوف تتجدد بعد كل فترة زمنية وحسب الحكومات التي تظهر على المسرح على ضوء مصالح الدول الكبرى. لأن العملية بكل بساطة هي: أن الاحزاب في الدول الديمقراطية تأتي إلى الحكم بفعل برامج تنموية متكاملة للنهوض بواقع مجتمعاتها، أما الاحزاب في مجتمعاتنا فهي تستخدم الشعوب لتحقيق غاياتها، وأول ما تبتدأ به هي سحق تلك الشعوب التي ساهمت في استقرارهم في السلطة لكي لا ينبري منهم معارض فيما بعد. إذن الفرق شاسع وهائل بين مفهومين مختلفين ونظرتين متباعدتين للحياة.
فالانسان المتعلم في الشرق المتخلف سيبقى تحت تأثير حالتين: فإما أن يعيش تحت ظروف القهر والوعظ والارشاد الذي لا يسمعه أحد، وبذلك يفقد الامل في الحياة وهذا ما تسلكه (الاحزاب السياسية)، للوصول بهم إلى حالة اليأس، وقد يدفع حياته ومستقبله ثمناً لها. أو في أفضل الاحوال سوف يترك بلده ليعيش في الغربة بكرامته كانسان عندما يفقدها في بلده. وفي رأيي فإن ذلك هو السبب الاساسي للكثير من المشاكل المفتعلة في الشرق الاوسط لكي يتم تفريغه من العقول عن طريق خلق ظروف غير طبيعية لايمكن للإنسان الكريم ان يعيش في كنفها وبالتالي يبحث عن البديل، والبديل موجود ومهيء له في الغرب سلفاً بطبيعة الحال.
فالمجتمعات البسيطة والشعوب الاصيلة التي تعايشت مع محيطها الشرق-اوسطي عانت على مر التاريخ من العنف والتهميش والاقصاء، مما ولد عندها عقدة الانتقام في حال توفر الظروف التاريخية لها. وبسبب سيطرة هذه الثقافة، عاشت مجتمعاتها في دوامة من التخلف وسيطرة البعض على البعض الاخر واستثمار طاقاتها المادية والبشرية لصالحها من دون أن تكترث من انها هي الاخرى تهيأ وتقدم للآخر ما يتمناه على طبق من ذهب، أو كما يسميه الادب الشيوعي بأن الدكتاتورية تحفر قبرها بيدها، أو من دون أن تحس بانها تهيء لذلك، ولكن بعد أن فاتت الأوان ولم يعد ينفع معها الندم، بل لم يعد بالامكان إعادة الامور إلى نصابها.
فكنا نمتلك الأمل قبيل وبعيد التغيير في العراق، ولكن الامل أصبح حلما لم نعد نحلم بتحقيقه، بعكس ما حلم به مارتن لوثر، وما تحدّث به أوباما من أمل. ومهما يكن من أمر، فالفترة التي سبقت الآن ولما قامت بتنضيج الواقع بكل تجلياته وتداعياته قد بذرت البذور الاولى لنهضة حقيقية. وقد نبتت تلك البذور، ومن الطبيعي أن لا تكون جميع تلك النباتات مقاومة للطبيعة وقساوتها، ولكن من الطبيعي أيضاً أن يتدخل الانسان في تحسين تلك الاصناف لاستنباط ما هو مقاوم للظروف غير الاعتيادية وبالتالي خلق أجيال مقاومة ومستوعبة لكل التغيرات ومستعدة لكافة الاحتمالات. وأن هذا الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، ولكنه سوف يحصل بطبيعة الحال عن طريق جهد سياسي مقترن بالعلم وهو قطعاً لا يأتي إلا من المتنورين علمياً وبالتالي سيكون ناضجاً سياسياً. صحيح لا يظهر الان في الافق ما يدل على تحليلي هذا بسبب الإعماء والتعمية، ولكني كما أراه أمامي سيظهر في المستقبل وسيحسب له ألف حساب وحساب. فما باراك أوباما إلا نبتة طيبة لواحدة من تلك البذور التي نثرها مارتن لوثر في خمسينات وستينات القرن الماضي.
إذن، ماذا بخصوص المجتمعات الصغيرة مثل الاقليات الدينية والعرقية المتعايشة ضمن الشعب العراقي المتعدد الاثنيات والاعراق؟ فلا بد من أن تكون هذه الاثنيات في مكانة بحيث تعي موقعها وتكون قد استوعبت الدروس المرة بعد الذي حصل في مجلس النواب منذ 22/7 ولغاية 2/11/2008. وأن حصول هذا الامر وبهذه الدراما الهمجية لم يكن أعتباطاً عندما تم تصفية جميع حسابات القوى السياسية على صخرة حقوق الاقليات بإلغاء المادة 50 من قانون مجالس المحافظات في 24/9، بحيث أسكتت جميع الكتل عن تثبيت الحق الطبيعي لمجموعات عانت كما عانى غيرها من الظلم والقسوة. وبعد ذلك وبمبادرة من كتلة التحالف الكردستاني ألغى نفس البرلمان، الحقوق التي وافقت عليها بقية الكتل على إعادة الامور إلى بعض نسابها، ثم يتم إلغاء ذلك الحق بطريقة أكثر وحشية وهمجية في أروقة برلمان فتي يدعي بالديمقراطية، ومن ثم تأتي تلك القوى التي ألغت القرار والتباكي على بعض حقوق الاقليات بعدما شعرت بسخف مبادراتها وعرفت بأن المبادرة كانت بالضد من مصالحها الحقيقية. أي أن المطالبة الأخيرة كانت بسبب الغباء الذي تعرضت له وليس بسبب المطالبة بالحقوق الاساسية للأقليات.
فالشعب الامريكي بكافة شرائحه أنتخب أوباما عن قناعة بعدما صال وجال في أرجاء أمريكا معلناً عن برنامجه وخططه الطموحة، وبرهن للناخب الامريكي بأن اللون لم يكن عائقاً في يومٍ ما أمام الفكر. وأثبت لهم أيضاً بأن الانحدار الطبقي والديني لم تثنهِ عن مواطنته وإخلاصه لبلده. وقدم له الشعب الامريكي ملايين الدولارات لكي يفوز ويحقق لهم ما صرح به ضمن ذلك البرنامج الذي لم يكن من السهولة والسذاجة بحيث يقنع به هذا الشعب المتعلم والعريق في ممارسة العمل الديمقراطي.
تقول حكومتنا الحالية بانها ديمقراطية، وتدعي بأن ديمقراطيتها قد تحققت بفعل انتخابات نزيهة، وأن الكتل السياسية كلها ممثلة في البرلمان والوزارات ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء، وأن جميع القرارات تؤخذ بالتوافق، ولكن تعلم باليقين أيضاً بأنها تكذب على نفسها كما نعرفها نحن. وأن جميع الاحزاب المشاركة فيها تمتلك ميليشيات تقتل وتنتهك الحرمات وتنهب البلد وتروع المواطنين وتبتز حقوقهم الاساسية والسياسية وتدعم التخلف والتبعية وتعزز الانفصالية وتعمق الطائفية، وتقتل العلم والعلماء، وكلها تحت قبة نفس البرلمان (المنتخب ديمقراطياً).
لذلك، ما هو الفرق بين حكومة (فيدرالية وتعددية وديمقراطية ويمثلها برلمان بهذه الصفات)، وفيها ثلاث وزارات لحقوق الانسان وثلاث برلمانات، وثلاث رئاسات، وعشرات (الجيوش، أقصد الميليشيات)، أتى بها المحتل، وتنتهك حقوق الانسان بأبشع صوره. وبين حكومة ذات نظام شمولي تقتل وتنهب وتهتك الاعراض وتكمم الافواه وتصادر الحقوق وجاءت إلى الحكم بانقلاب عسكري؟ ما الفرق بين من يسرق المستقبل الانساني سواء بحكم شمولي أم بحكم ديمقراطي؟ ما الفرق بين مَن يعزز التخلف سواء شمولياً أم ديمقراطياً؟ ما هي البرامج الانتخابية التي أتت بها (الاحزاب الديمقراطية) الحاكمة منذ ست سنوات ودائرة العنف والقتل والدمار تدور رحاها بحصد مئات الالاف من خيرة شباب العراق وعلمائه؟ ماذا نعمل بديمقراطية تعزز التخلف وتعمق الطائفية وتنتهك حقوق الانسان تحت مظلة القانون الذي سنّوه هم لأنفسهم بطريقة تناسب الإبتزاز السياسي حسب متطلباتهم ومصالحهم؟ بماذا سيشعر المواطن العراقي فيما إذا تم التوقيع على الاتفاقية الأمنية أم لم يتم التوقع عليها؟ ماهو الفرق بين المال المسروق لجهات دولية ومخابراتية يقتل بها الشعب العراقي، وبين ما كان ينفقه النظام السابق في الحروب المدمرة مع الجيران؟ أين ذهبت الترسانة العراقية من الدبابات والطائرات والاسطول العسكري العملاق؟ أين الوعود التي وعدوا بها الشعب في اجتماعات لندن وغيرها؟
إن أكثر ما يؤلمني هو أن نردد عبارة، أن عمقنا التاريخي يمتد لآلاف السنين، وهو ما يردده الجميع وأنا منهم. فالعمق التاريخي ليس ببناء الاحجار وحضارة بابل وآشور وأكد وسومر فقط، ولكن ب كيف نستطيع أن نحافظ عليها ونطورها؟ وكيف لنا أن نبرهن بأننا أبقينا على تلك القوة والروحية التي عززت من مكانتنا العالمية؟ وأن هذا الشان ذكّرني بقول السيد كولن باول في آخر إجتماع لمجلس الامن قبيل ضرب العراق عام 2003 عندما قال تعقيباً على كلمة ممثل الصين وتطرقه إلى حضارة العراق التي تمتد لآلاف السنين، قال كولن باول: إنه لمن دواعي سروري إنني أنتمي إلى بلد جديد على وجه الكرة الارضية.
فليس للضعيف أي حق للعيش في هذا العالم، وعلينا أن نعترف بهذا القول العظيم لأحد الفلاسفة عندما قال: حفنة قوة أفضل من كيس من الاخلاق. فليس هنالك حق من غير تدعيمه بالقوة، لأنه وبكل بساطة فإن هذا الحق سيكون قابلا للإستلاب في أي وقت عندما لا تدعمه بقوة تحافظ عليه من الزوال. وما الاخلاق التي نطالب بها إلا اعترافاً منا بالضعف والوهن. وأما الحق (القوة)، فله عناصر محددة منها سياسية ومنها عسكرية فنية، ومنها اقتصادية وتعليمية، ومنها إجتماعية وتنظيمية. وان المجتمعات الناجحة هي التي تستطيع ترتيب وتبويب عناصر هذه القوة باتجاه بحيث تحقق الغاية الاجتماعية والحفاظ عليها من الزوال والذوبان والتلاشي. فهل نعي الدرس الأخير الذي حصل لنا في مجلس النواب بشأن حقوق الاقليات؟ مستقبلاً، نعم. فهل ستعي حكومتنا الموقرة ولو نصف درس من هذا الذي جرى في أمريكا؟ ومن الله التوفيق.



علي سيدو رشو
القاهرة في 4/11/2008

0 التعليقات: