اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو


كل رأي يحمل افكار، وهي تحترم بما يرد فيها من اتجاهات ورؤى وما سيترشح من التوجهات الداعمة أو الرافضة لها من آراء الاخرين ورؤاهم بشأن ذلك الرأي. ففي سبعينات من القرن الماضي عندما كنا شبان نتناقش بشأن مستقبل الاجيال، كانت تتعالى بعض الاصوات التي تنتقد النظام الطبقي وكأنه العائق الرئيسي الذي يقف بوجه التقدم الايزيدي ويهدد وجوده ومستقبله، وكانت تلك الدعوات تصدر بصورة خاصة من قبل مجموعة من شباب الشيخان من الجيل الجامعي آنذاك. الاراء كانت تتبلور وتتفاعل بشكل اكثر جدي كلما التقينا، بأسلوب أو بآخر سواء على سبيل المزح أو الجد. ويبدو لنا بأن الموضوع لم يكن مجرد نزوة شباب أو رؤية سطحية بقدر ما أصبح للموضوع أكثر من مساند وبالتالي ظهر على شكل دعوات صريحة فيما بعد.
قلنا بأن الاراء والافكار تحترم وهي السبب الرئيسي لتحريك الامور وتفاعل القضايا المصيرية للشعوب والمجتمعات بشقيها السلبي والايجابي. ولقد ردينا على ماورد بنفس فكرة اليوم في حينها على أمل أن تخمد هذه البادرة التي لا تخدم بهذا الشكل من الطرح. فكلنا مع التطور والتقدم ولكن بشكل منضبط، وليس كل ماهو قديم متخلف او رجعي او بالي، بقدر ما يحمل ذلك القديم من المعاني اللامعة والتاكيد عليها لهي من الضرورات الموجبة في كل زمان ومقام. والدين ودساتيره ليست من حسابات الماضي والقديم بقدر ماهو متجدد مع الزمن تلقائيا، بمعنى أن التعليمات الدينية لا تصنف بالمتقدم والمتاخر بحسب التصنيفات العادية للقضايا الاجتماعية كالعادات والتقاليد والاعراف والسلوكيات، وهي بذلك لا تخضع لنفس معايير التقدم والتخلف الاعتيادي كالتصويت على تغيير بنود القوانين والدساتير التي يجب تغييرها بحسب التغيير الذي يحصل في سلوكيات وتصرفات الانسان. أما التعليمات والدساتير الدينية، فهي علاقات خاصة بين الانسان والقيم العليا وبالتالي فهي قضايا اعتبارية متعلقة بالضمير الانساني والقيم والاخلاق التي تسير مع الانسان كظله الذي لا يفارقه عبر الازمنة والعصور.
عليه وباختصار شديد نرى في الدعوة الاخيرة من السيد بدل حجي، أنها دعوة غير موفقة وليست في محلها لكونها تضرب الصميم الايزيدي بدلا من اصلاح الواقع الفاسد. فالتعاليم الدينية هي جواهر لا تقدر بثمن فيما لو تم التعامل معها على حقيقتها، وأن قيمتها وعبقها في قدمها ولو تم اي تجديد فسيكون على حساب تلك الحقيقة، وهدم كبير لكيانها وبنيانها. لذا فإن الطرح الحالي ليس في صالح المعالجة التي ينشدها المجتمع الايزيدي للاسباب التالية:
لو كانت الدعوة كما يقولها السيد بدل بهدف احتواء الحالات التي قد تشذ عن القاعدة وتأسيس طبقة خاصة بهم، لكانت اقتصرت الدعوة على الاستفتاء بتلك الحالة لوحدها. ولنسأل السيد بدل ومؤيدي الفكرة، هل يمكن تعديل دستور ديانة على هوى البعض الغير قانع بتعليماته؟ وهل نضمن بعدم الاختراق المتكرر والمطالبة بعد فترة بفتح نافذة أخرى بنفس الاسلوب والمطالبة بتجديد آخر على هواهم وقياساتهم (الحضارية) لكي توائم أفكارهم الخاوية؟ وهل تخلوا ديانة من بعض الاشخاص الغير مقتنعين بتعليماتها رغم الكتب والانبياء والشريعة والتعليمات الواضحة، ومع ذلك لم يحصل مثل هذا الاستفتاء لتغيير الاسس الدينية وتجديده؟
لو فرضنا جدلا الموضوع كذلك وخاصة بتلك الحالات لوحدها، لماذا المساس ببقية الكيان الديني الايزيدي المتمثل بالنظام الطبقي الذي ينفرد به الايزيديون من بين المجتمع الانساني بأكمله، ورغم المآسي والصعوبات إلا أنه ساعد الايزيديين على الاحتفاظ بقيمهم وأصبح أحد أهم أركان الصمود الايزيدي عبر التاريخ رغم التنكيل المشين الذي تعرض له لصيانته لتلك الروحية النادرة والتي يجب أن نتباهى بها بدلاً من الطعن فيها. فالدين الايزيدي ليس بالدين التبشيري الذي نخشى منه في أن يصدر فتاوى بالقتل ودعوة الآخرين من بقية الاديان، وإنما كل ما نريده هو الحفاظ على قدسيته. فإذا أضفنا أو حذفنا منه، فذلك يعني بأننا شوهنا من صورته الحقيقية، كما هو الحال على غرار ما يصدر من بعض علماء المسلمين باصدار فتاوى غريبة مست سلباً بالاسلام بدلا من رفعته وسموه؛ (عدم السماح للنساء بشراء الخيار والموز لانها تثير الشهوة لديهن، عدم جلوس النساء على الاريكة لانها تثير فيهم الرغبة الجنسية، على النساء عدم تبديل ملا بسهن في الغرف لكون الحائط والجدار مذكران، وفتوى الرضاعة على سبيل المثال لا الحصر). فالدعوات التي تأتي في غير وقتها، تساهم في الارباك بدلا من وضع الحلول، وبالتأكيد سيطالب المجتمع الايزيدي السيد بدل بموقف والده فقير حجي من هذه الدعوة قبل غيره ليقول رايه فيما طرحه، وكذلك سيطالب السيد بدل بموقفه عما كتبه من أقوال وأدعية قبل الان.
مشكلة المجتمع الايزيدي لا تكمن في الدين بقدر ما تكمن في النظام الاجتماعي ومؤسساته العشائرية والعلاقة مع الجهات السياسية بما يتعلق بمستقبل الايزيدية. لذلك فالدعوة لإصلاح النظام الاجتماعي تعد من الضرورات التي يجب عدم التهاون في علاجها؛ بدءاً بتأسيس المدارس الدينية وتنظيم واردات لالش والسناجق والمزارات الاخرى، والتأكيد على دور المرأة وحقها في الارث، نظام الطفولة وحقها في التربية السليمة، تحريم الزواج بين بنات وابناء العم لكونها تساهم وراثياً في التشوهات الخلقية لأننا مجتمع مغلق وهذا الزواج يشجع من حالات العوق والتشوه إضافة إلى المشاكل الاجتماعية، تشكيل مجلس روحاني من شخصيات متعلمة تختص بالشئون الدينية بجانب برلمان رئيسي منتخب وبرلمانات محلية منتخبة من المحليات المتشعبة في ارجاء العراق ومن ثم تعميمها على الايزيدية عامة في جميع انحاء العالم لتوحيد الخطاب السياسي والاجتماعي بمعزل عن الخطاب الديني الذي يختص بالتوعية والتربية على الاسس السليمة روحياً.
في رأيي الشخصي يجب عدم المساس بايزيدية اي انسان مالم يقلها بعظمة لسانه بأنه بريء من الديانة الايزيدية ويعلن بعدم الاعتراف بتعليمات دينه، وفيما عدا ذلك لا يمكن لاية جهة اصدار فتوى بخروج الايزيدي عن ديانته، وهو حق شخصي لكل انسان مؤمن بتعليمات ودستور الدين الايزيدي، وليس زجهم في طبقة معينة. أي اعتبار ذلك حق شخصي من حقوق الانسان كالجنسية التي لا يحق لأحد انتزاعها بسبب الاختلاف في الاراء إلا من صدر بحقه فتوى وبشهادة شهود بخروج ذلك الانسان رجلا كان او سيدة عن قواعد العرف الذي سيقرره المجلس المشكل لتحديد تلك المسالة حصرياً بعد دراسته من وجهة نظر قانونية واخلاقية واقتصادية واجتماعية ودينية.
ايضا وبتواضع اقولها بأن الموضوع الذي طرح بهذا الشكل كان غير موفقا لأن مثل هذه القضايا لا تخضع للاستبيانات على الانترنت بقدر ما كان يجب ان تشكل لجان لدراسة هذه الحالات وجمع المعلومات عنها والاستخلاص بنتائج تتم دراستها بعد مشاورات مكثفة مع رجال الدين والمثقفين والمجلس الروحاني، على علاّته، والمرأة والشباب والمنظمات الاجتماعية وشيوخ العشائر، لأن لجميعهم الحق في ذلك كونها تمسهم جميعا بنفس الدرجة والاهمية.
والأهم من كل ذلك هو، كان من الاجدر أن تكون هذه الدعوة لأستبيانات عن دور المنظمات والبيوت الايزيدية في المهجر عما قدموه على مدى أكثر من عشرين سنة لإصلاح الوضع الاجتماعي للمهاجرين والذي بدوره إنعكس سلباً على الفكر الديني والاجتماعي وعزوف الشباب. فلو أن هذه المنظمات قد قامت بالواجب الذي نشأت من أجله وساهمت ورعت القوافل القادمة على غرار ما تقوم به الكنائس والمنظمات الاسلامية واحصتهم ووقفت على مشاكلهم اولاً بأول، والتقت بهم في لقاءات عائلية ودعمت الشباب ببرامج توعية وتبصيرهم بالمجتمع الجديد بحيث تردم الفجوة بينهما بشكل طبيعي، لما حصل هذا الارباك، ولما غدا المجتمع لهذا الدرك بحيث وصل الامر بالبعض لينكر أصله ويتمرد على تعليمات دينه. والذي شجع ويشجع من هذا التمرد أكثر، هو هذه الدعوات التي تطلق بين فترة وأخرى من دون ضبط وانضباط على شكل استبيانات أو أفكار بدافع التجديد لتفتح نوافذ يجري منها القيح والقبح.
فبعد الملاحظات العديدة والتعليقات التي كتبها السادة الذين علقوا على الموضوع وعبروا عن افكارهم ورؤاهم، ولكون أن السيد بدل أعلن بأنه سيناقش الاستبيان في المؤتمر المنوي انعقاده في 26 مايو المقبل في المانيا. وكوني عضو في اللجنة التحضيرية للمؤتمر ولعدم قناعتي بما ورد في دعوته، فإنني سأنسحب من تلك الجلسة لعدم إيماني بتلك الافكار التي لاتخدم المستقبل الايزيدي على الاطلاق بقدر ما تنشد التفتت والتخريب.

مع احترامي وتقديري 
علي سيدو رشو
المانيا في 24/2/2012

0 التعليقات: