الباحث علي سيدو رشو

كنا نسمع كثيراً بأنه في اوربا، والمانيا على وجه التحديد، تفتح سنوياً العديد من البيوت التي تهتم بالشأن الايزيدي وهموم المهاجرين وكذلك الاهتمام بما يحصل في الداخل الايزيدي في بلدانهم الاصلية وايصال معاناتهم إلى أسماع العالم الخارجي. فكانت نظرة الناس_ ونحن من ضمنهم_ إلى تلك البيوت وكذلك مركز لالش في دهوك، بتقدير عالي وتفاؤل كبيرين بما يمكنهم أن يحققوا لمجتمعهم، لما يتمتعون بشرعية العمل وامكانية الاتصال والتواصل مع العالم الديمقراطي الحر، وكذلك التأثير على القيادات الايزيدية التي كانت تتحسب لهم كثيراً وتهاب مطالبهم. وهو ماحصل عند عودة سمو الامير تحسين بك من المانيا (2000 حسب علمي)، وتعرضه لضغوطات كبيرة من قبل مركز الايزيدية خارج الوطن وبعض الشخصيات التي لها شأن في الواقع الايزيدي، ومن ثم عقد اجتماعه العاجل مع رؤساء ووجهاء الايزيدية في بعشيقة وتنازله آنذاك عن 50% من واردات لالش لصندوق الايزيدية.
كان الاجدر هو إدامة ذلك العمل لانه كان بالامكان تحقيق الكثير فيما لو تم توجيهه بشكل سليم وبهدف معين ومحدد، وبالاخص مركز الايزيدية خارج الوطن، وليس العمل العشوائي والحديث عن العموميات وتبديد الامكانيات وإطلاق التهم بحق الآخر من غير ثوابت ومعلومات دقيقة، والتي أضاعت الكثير مما كان بالامكان تحقيقه. فلم نسمع عن أي نشاط للبيوت الايزيدية الحالية، والتي قد تزيد على العشرين في المانيا لوحدها، سوى القيام ببعض الفعاليات الاجتماعية كحفلات الزواج أو إقامة التعازي أو إحياء الاعياد التراثية. بينما ولكي تتمتع بالهيبة والإحترام، كان من الاولى بها هو أن يتعدى عملها هذا الحد بكثير لأن الهدف من البيوت ليس هذا فقط، وإنما عليها أن تقوم بالاضافة لما تقوم به الان كوضع استثماري، بالواجبات التالية:
1. كما هو الحال مع الكنائس، كان من الواجب أن يكون هناك اتفاق بين هذه البيوت والدوائر الحكومية في البلدة المعنية لكل من هذه البيوت بخصوص تسجيل عدد المهاجرين الايزيديين والاستفسار عن مشاكلهم والقيام ببعض الحلول لمعاناتهم، وحل بعض الاشكاليات التي تحصل بسبب الفارق في الثقافة ومسألة الاندماج مع المجتمع الالماني. كذلك التعاون مع المهاجرين في الارشاد وجلب العوائل بدلا من اللجوء إلى المحامين والوسطاء لتقليل نفقات السفر، كما تفعلها منظمة كاريتاس وبعض الكنائس، مع كامل تقديرنا لجهودهم.
2. عقد اجتماعات ولقاءات دورية مع الدوائر المعنية بالمهاجرين والوقوف على ابرز الصعوبات التي تعاني منها الجهات الرسمية مع المهاجرين الايزيديين. كذلك كان من الواجب تسمية بعض الاشخاص من ذوي الخبرة في مجال الترجمة في الدوائر البلدية وعلى حسابها، كما تفعلها المنظمات والكنائس لتصبح هذه البيوت ذات شأن في الدولة، وفي نفس الوقت لها حضور واحترام بين المجتمع الايزيدي.
3. دعوة الصحافة المحلية وبعض رجال الدين والشخصيات الرسمية والاصدقاء الألمان أثناء الاحتفال بالمناسبات التراثية والاعياد، لزيادة وتشجيع التعرّف بالتراث الايزيدي وإعطاء إنطباع ايجابي عن عمق معاناتنا من خلال بعض المعارض والبوسترات والصور التي تتحدث عن تلك المعاناة لتعكس حقيقتها ومن ثم نشرها في الصحف المحلية باللغة الالمانية لكل بلدة، لكي تأخذ طريقها إلى اسماع الناس وتناشد انطباعاتهم لتشجيع وزيادة حجم التفاعل الايجابي فيما بين الطرفين.
4. إلقاء محاضرات دورية نصف شهرية في مجالات الدين والتراث وتاريخ وجغرافية ومعاناة الايزيديين والفرمانات التي حصلت بحقهم عبر التاريخ والتي من الممكن عن طريقها القيام بالكثير مما يحتاجه الاخرين للتعرف على التاريخ والتراث الايزيديين.
5. من الممكن قيام بعض هذه البيوت بتدريس مادتي الدين والتراث الايزيديين، على الاقل في ثلاث مناطق جغرافية من التي تتركز فيها الجاليات الايزيدية لتحصين ثقافتهم ضد التلاشي والذوبان، وزيادة وتشجيع تعريفهم بالبعض، والحفاظ على الاجيال من الضياع والانصهار في الآخر، لتصبح قدوة لغيرها من المراكز في اوربا.
6. كان على هذه البيوت أن تتعاون مع الحكومة الالمانية في الحفاظ على الوضع الاجتماعي لبعض العوائل، وفتح بعض الملاجيء الخاصة بايواء النساء والاطفال الذين يتعرضون للعنف العائلي والمنزلي، واقامة الوساطات الاجتماعية مع تلك العوائل ليكون دورها اجتماعيا واصلاحيا واخلاقيا.
7. أقولها وبكل أسف ومرارة بأن البيوت الايزيدية في المهجر بدت لا تخدم الايزيدية باي حال، وهي ليست بمستوى أن تسمى بيوت بقدر ما يجب ان يطلق عليها صالات للمناسبات الاجتماعية، على اهميتها، كحفلات الزواج أو إقامة المآتم والتعازي. إن هذا العمل لهو بعيد جداً عن المغزى الاساسي من انشاء هذه البيوت التي كان عليها أن تستمع وتناقش الوضع مع أصحاب الشأن في المجتمع لكي تقوم بما يملي عليهم من الواجب الاخلاقي في الحفاظ على وضع الايزيديين من هذا الضياع في المهجر. فإذا كان قد جرى كل هذا النقاش بشأن (الاصلاح الديني)، ولم نسمع من هذه البيوت ولو تعليق بسيط، فماذا عسانا أن نسميهم أو نصنفهم؟ اليس من أولى واجباتهم هو التعاون فيما بينهم وعقد المؤتمرات والتواصل مع الرموز والشخصيات الفكرية والسياسية والاجتماعية حول الوضع الحالي؟ ومن ثم القيام ببعض المؤتمرات والنشاطات التراثية والدينية والوساطات فيما بين المجتمع الايزيدي والحكومة الالمانية من جهة ومن جهة ثانية ادامة التواصل مع مختلف الشرائح الاجتماعية للوقوف على حالات تحصل هنا وهناك من خلال برامج واستبيانات لتسليط الضوء على نقاط الخلل التي تخص الواقع الاجتماعي والخدمي بالدرجة الاساس بهدف معالجتها. لذلك، نهيب بهذه البيوت في أن تعي دورها وتقوم بواجباتها التي تاسست من اجلها، لكي تاخذ طريقها إلى قلوب الناس وتحظى باحترامهم وتكبر في عيونهم، وفي الوقت ذاته يصبح لها شأن أوربي وعالمي في الدفاع عن قضايا حقوق الانسان.
عليه، ولكي لا نطيل أكثر في الكلام الانشائي، أرى بأنه من الواجب توظيف وتوجيه جهود بعض هذه البيوت الايزيدية التي تعمل بشكل سليم ومحايد سياسياً، لتكون قادرة على تحقيق بعض اهم مطالب المجتمع الايزيدي كما طالب بها الكثير من الاخوة المهتمين قبل الان. وبذلك، فإنني أدعو مخلصاً، البيوت الايزيدية التي لها شأن مستقل بأن تعمل على تشكيل فيدراسيون أو شبكة، تتّبني العمل على أساس من التفاهم على بنود رصينة بنظام داخلي يتدارس مشاكل الايزيدية كمجتمع وكديانة وتدعو إلى عقد مؤتمر في غضون عام من الان بعد أن يتم الاستعداد له بعيداً عن التدخلات السياسية ويفتح رقم حساب للتبرعات لكي يكون المؤتمر حيادياً ولا يتعرض للضغوطات الحزبية والجهوية. وإنني لعلى ثقة فيما لو تم توظيف امكانية بهذا الحجم وبشكل مخلص وبعيد عن التحزب ومن ثم إدامة التواصل مع المجتمع الدولي، فسنكون بقادرين على عمل ما قد لا تستطيع أن تقوم به منظمة دولية من حجم منظمة العفو الدولية. ومن الله التوفيق

علي سيدو رشو
المانيا/بيلفيلد في 21/4/2011
rashoali@yahoo.com (https://mail.google.com/mail/h/bundhi4y17ta/?v=b&cs=wh&to=rashoali@yahoo.com)