اراء ومقالات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
اهلا وسهلا بكم في موقع الباحث علي سيدو رشو




الهجرة حق طبيعي لكل كائن على وجه الأرض كما هو حال الطيور أو الاسماك أو غيرهم من الكائنات عندما تهاجر لأسباب غريزية معروفة للمهتمين بشئونهم. كما أن القوانين الوضعية هي الاخرى منحت هذا الحق لكل انسان يرى أن في الهجرة مصلحة ذاتية أو عامة على أن لا تتعارض مع المصالح العليا للبلد أو الشعب الذي يقيم المهاجر بينهم، وبالتالي فإن ذلك الحق ينسحب على الذين يهاجرون بسبب العنف باشكاله المختلفة أيضاً (كحالة الحرب، أو الحصار، أو التغيير الديموغرافي الممنهج، أو التمييز عنصري، أو بهدف اقتصادي، أو سياسي أو غير ذلك من الاسباب)، وهي من أهم الاسباب التي دفعت بأفراد الكثير من المجتمعات بترك اوطانهم والبحث عن موطن بديل يوفر لهم ما لم يحصلوا عليه في موطنهم الاصلي من الأمن والأمان والكرامة الانسانية.
هنا نتكلم عن الهجرة عندما تتحول من الحالات الفردية وتصبح ظاهرة عامة يشعر معها المواطن بأنه غريب في وطنه، فإنه يجب التوقف عندها والتحسب لها لما لها علاقة مع المستقبل. فالغربة هي الاخرى ليست بتلك السهولة التي يتوقعها المهاجر، لأن الأرض واللغة والتراث والقوانين والطبيعة والسكن والدراسة وغيرها هي مختلفة عما تعّودوا عليها. فما نراه اليوم في شعبنا الايزيدي فيه الكثير من عدم الانتباه لما ستحصل من كارثة ومأساة مستقبلية على ضوء هذه الهجرة المخيفة لاسباب كثيرة؛ منها بالرغم من أنها حق طبيعي كما قلنا لأن أسباب هذه الهجرة موضوعية ومرتبطة عضويا ومباشرةً بفقدان الثقة في الدولة وسياستها، وكذلك فقدان الامل في المستقبل الغامض الذي لا رجاء من صلاحه أو إصلاحه بعد طول تجربة مع الواقع الكذّاب مما حدا بالمواطن إلى أن يكفر بالقيم ولا يهمه ما قد خبّأه له المستقبل. فلو لم أسكن انا شخصياً (المانيا) ومهاجر بسبب نفس معاناة شعبي الحالية، لقلت للجميع بأن هذه الهجرة ليست في صالح الاجيال ولا في صالح الايزيديين لانها وبكل بساطة ستفرغ أرض الاجداد من كل محتوياته ومكنوناته وأرثه وثقافته وتاريخه وجغرافيته وقدسيته وما يتعلق بهم من متعلقات. فالشعب الذي يفقد جغرافيته لا يمكن أن يكتب له البقاء وأن الأمن القومي لأية مجموعة بشرية إنما مرتبط أساساً بجغرافيتها. عليه يجب أن نترك التذكير بعدد الفرمانات بقدر ما علينا أن نتعظ من فرماننا الاخير ونقيّم ما حصل لنا لكي نستطيع ان نحدد خطوتنا المستقبلية والامثلة الحية ماثلة امامنا ومن واقعنا (ايزيدخان تركيا وسوريا) التي ما غدت سوى للذكريات وزيارة كبار السن لهم في أوقات متفاوته.
فلو كنت أعيش هناك (في العراق)، وحرائر الإيزيديين بيد هذه المجموعات المجرمة لما سكتت وانتظرت الحلول العسكرية والسياسية للأحزاب التي سوف لن تعمل وتعمّر أكثر مما تدمر وتهدم. ولو كنت هناك لشكلت فريقا من ذوي الضحايا وغامرت بحياتي من اجل من هم في الأسر لكي نسجل هذه المرة صفحة بيضاء على جبين الإيزيدية كما فعلها الاجداد ومن ثم توجيه صفعة على وجه داعش الغادر ومن تحالف معه وتسبب في مأساة إيزيديي سنجار بحيث لن ينسوها إلى الأبد وعندها كنا سنجد الالاف ممن سيسندوننا ويقفون الى جانبنا. ولكن سوف تلومني الكثير وتقول بأننا شبعنا من هذه المثاليات؛ لأننا نحن الايزيديين في العراق أما معدومي الامكانيات المادية أو أننا محرومين من أي دعم لوجستي أو معنوي. لذلك وصيتي (وأنا آسف وأعتذر لمن لا يتفق معي في الرأي مسبقاً)، بدلا من صرف هذه المليارات على الهجرة أن تشتروا بهذه المبالغ اسلحة وذخيرة وتحاولوا تحرير سنجار وبعشيقة وبحزاني والتشبث بأرض الاجداد بدلا من تحمّل الذل والمهانة في مخيمات النازحين سواء في تركيا او في العراق لأنني على ثقة بأن تحرير جغرافية الايزيديين سوف لن تكلف الايزيديين أكثر مما كلفتهم الهجرة من الناحية المادية وضحايا الطريق.
طرق إلى مسامعي قبل ايام خبراً من شخص قريب مفاده؛ أن أحد الايزيديين في الشيخان أراد أن يبيع داره لشخص كردي، وعندما علم شقيق الشخص الكردي بالخبر، فإن هذا الأخير وبّخ أخوه وقال: لماذا تشتري دار هذا الايزيدي بمبلغ من المال؟ فرد عليه اخوه، وماذا في ذلك من خطأ؟ رد عليه شقيقه وقال: اصبر كذا شهر وستأخذ هذا البيت بدون مقابل لأن الايزيديين سيهاجرون البلد وبالتالي ستبقى املاكهم ودورهم وأراضيهم لنا ولا نحتاج بعد اليوم شراء دار او ملك منهم. هذه الحكاية ليست من الفراغ وانما نحن نطبقها بشكل يومي وإن كانت الهجرة محصورة سابقاً على الافراد ومن فئة الشباب فقط، فإنها الان اصبحت ظاهرة خطيرة بسبب الهجرة العائلية وحث بعضهم البعض على المزيد من الهجرة والغريب في الأمر فإنه بمجرد وصول المهاجرين إلى الغرب ينسون كل مآسيهم ويغردون لنفس الاحزاب التي تركتهم ضحية لداعش الاجرامي. إنها مأساة ولكن لا أحد منا يستطيع الوقوف بوجههم لأننا جميعاً سبقناهم اليها وكنا السبب في دمار مستقبل اجيالنا في بلدان ليس لهم ولنا فيها مستقبل.
علي سيدو رشو
المانيا في 7/7/2015
 

0 التعليقات: